وردت على النَّفس هذا الموردَ، كان لها ضربٌ من السُّرور خاصٌّ وحَدَث بها من الفَرح عجيبٌ، فكانت كالنعمةِ لم تُكدرها المِنَّة، والصَّنيعةِ لم يُنَغِّصها اعتداد المُصْطَنِع لها، وفي هذا الموضع شبيهٌ بالنكتة التي ذكرتها في التجنيس، لأنك في الموضعين تنال الربحَ في صورة رأس المال، وترى الفائدة قد ملأت يدك من حيث حَسِبْتَها قد جازتْك وأخلَتْك، وتَجِد على الجملة الوجودَ من حيث توهمَّت العدمَ، ولطيفةٌ أخرى، وهو أن من شأن المدح إذا ورد على العاقل أن يَقِفَه بين أمرين يصعب الجمع بينهما وتوفية حقَّهما: معرفةِ حقّ المادحِ على ما احتشد له من تزيينه، وقصِده من تفخيم شأنه في عيون الناس بالإصغاء إليه والارتياح له، والدِّلالة بالبشر والطلاقة على حُسن موقعه عنده ومَلْكِ النفس حتى لا يغلبها السرور عليه، ويخرج بها إلى العُجْب المذموم وإلى أن يقول: أنا، فيقعَ في ضَعَة الكِبْر من حيث لا يشعُر، ويَظهر عليه من أَمارته ما يُذَمُّ لأجله ويُحَقَّر، فما كُبر أحد في نفسه إلاّ غان الكِبْرُ عَلى عقله، وفَسخَ عُقْدةً من حلمه، وهذا موقفٌ تزلُّ فيه الأقدام، بل تخِفَّ عندهُ الحلوم، حتى لا يسلم من خُدَع النفس هناك إلا أَفرادُ الرجال، وإلا مَنْ أدام التوفيقُ صُحْبتَه، ومن أين