وقَالَ عَمْرو حين أسلم، وعرف من اللَّه ما عرف، وهو يذكر صنمه ذَلِكَ، وما أبصره من أمره، ويشكر اللَّه الَّذِي أنقذه من الْعَمى والضلال [1] .
تاللَّه لو كنت إلهًا لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر فِي قرن
أف لمصرعك إلهًا مستدن [2] ... الآن فتشناك [3] عَنْ سوء الغبن
فالحمد للَّه العلي ذي المنن ... الواهب الرزاق وديان الدين [4]
هُوَ الَّذِي أنقذني من قبل أن ... أكون فِي ظلمة قبر مرتهن [5]
وقَالَ ابْنُ الكلبي: كَانَ عَمْرو بْن الجموح آخر الأنصار إسلامًا، ولما ندب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس إِلَى بدر، أراد الخروج معهم، فمنعه بنوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة عرجه. فلما كَانَ يَوْم أحد قَالَ لبنيه: منعتموني الخروج إِلَى بدر، فلا تمنعوني الخروج إِلَى أحد! فقالوا: إن اللَّه قَدْ عذرك. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، إن بني يريدون أن يحبسوني عَنْ هَذَا الوجه والخروج معك فِيهِ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هَذِهِ فِي الجنة! فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك اللَّه، ولا جهاد عليك، وقال لبنيه: لا عليكم أن لا نمنعوه، لعل اللَّه أن يرزقه الشهادة. فأخذ سلاحه وولى وقَالَ: اللَّهمّ أرزقني الشهادة ولا تردني إِلَى أهلي خائبًا. فلما قتل يَوْم أحد جاءت زوجه هند بِنْت عَمْرو، عمة جابر بْن عَبْد اللَّه، فحملته وحملت أخاها عَبْد الله ابن عَمْرو بْن حرام، فدفنا فِي قبر واحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد رَأَيْته يطأ فِي الجنة بعرجته. وقيل: إن عَمْرو بْن الجموح كَانَ لَهُ أربعة بنين يقاتلون مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّه حمل يَوْم أحد هُوَ وابنه خلاد عَلَى المشركين حين انكشف المسلمون، فقتلا جميعًا.
أَخْرَجَهُ الثلاثة.