أدوى [1] من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض عَمْرو بْن الجموح. فَقَالَ شاعر الأنصار فِي ذَلِكَ [2] :
وقَالَ رَسُول اللَّه والحق قولُه ... لمن قَالَ منا من تسمون سيدا؟
فقالوا لَهُ: جد بْن قيس عَلَى التي ... نبخله فيها وَإِن كَانَ أسودا
فتى ما تخطى خطوة لدنية ... ولا مد فِي يَوْم إِلَى سوأة يدا
فسود عَمْرو بْن الجموح لجوده ... وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا
إذ جاءه السّؤّال أذهب ما له ... وقَالَ: خذوه، إنه عائد غدا
وروى معمر وابن إِسْحَاق، عَنِ الزُّهْرِيّ: أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بل سيدكم بشر بْن البراء بْن معرور. وَقَدْ ذكرناه فِي بشر.
أنبأنا عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَليّ بإسناده عن يونس بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاق قَالَ: وكان عَمْرو بْن الجموح سيدًا من سادة بني سَلَمة، وشريفًا من أشرافهم، وكان قَدْ اتخذ فِي داره صنمًا من خشب يقال له «مناة [3] » يعظمه ويطهره، فلما أسلم فتيان بني سَلَمة: ابنه مُعَاذ بْن عَمْرو، ومعاذ بْن جبل فِي فتيان منهم، كانوا ممن شهد العقبة، فكانوا يدخلون الليل عَلَى صنم عَمْرو فيحملونه فيطرحونه فِي بعض حفر بني سَلَمة، وفيها عذر [4] النَّاس منكسًا عَلَى رأسه، فإذا أصبح عَمْرو قَالَ: ويلكم! من عدا عَلَى آلهتنا هَذِهِ الليلة؟ ثُمَّ يغدو فيلتمسه، فإذا وجده غسله وطيبه، ثُمَّ يَقُولُ: والله لو أعلم من يصنع بك هَذَا لأخزينه، فإذا أمسى ونام عَمْرو عدوا عَلَيْهِ ففعلوا بِهِ ذَلِكَ، فيغدو فيجده، فيغسله ويطيبه. فلما ألحوا عَلَيْهِ استخرجه فغسله وطيبه.
ثُمَّ جاء بسيفه فعلقه عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إني والله لا أعلم من يصنع بك ذَلِكَ، فإن كَانَ فيك خير فامتنع، هَذَا السيف معك! فلما أمسى عدوا عَلَيْهِ، وأخذوا السيف من عنقه، ثُمَّ أخذوا كلبًا ميتًا فقرنوه بحبل، ثُمَّ ألقوه فِي بئر من آبار بني سَلَمة فيها عذر النَّاس. وغدا عَمْرو فلم يجده، فخرج يبتغيه حتَّى وجده مقرونًا بكلب، فلما رآه أبصر رشده، وكلمه من أسلم من قومه، فأسلم وحسن إسلامه.