دع خلافة بني العباس في أوائلها وفي حال استقامتها فإنهم حينئذ في قوتهم وعنفوانهم ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام والعراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب ولم يكن قد أحدث مشهد لا على قبر نبي ولا صاحب ولا من أهل البيت وصالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدثة، بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة وكثر فيهم الزنادقة والملبسون على المسلمين وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك في دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة، فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر وقريباً من ذلك ظهر بنو بويه في كثير منهم زندقة وبدع قوية، وفي دولتهم قويَ بنو القداح بأرض مصر، وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول إن قبر علي هناك وإنما دفن علي رضي الله عنه بقصر الإمارة بالكوفة، وإنما ذكروا أن بعضهم حكى عن الرشيد أنه جاء إلى بقعة هناك وجعل يعتذر إلى المدفون فيها، فقالوا إنه علي وإنه اعتذر إليه مما فعل بولده، فقالوا هذا قبر علي، وقد قال قوم إنه قبر المغيرة بن شعبة (?) .. ويقول الذهبي في ترجمة عضد الدولة البويهي: وكان شيعياً جلداً أظهر بالنجف قبراً زعم أنه قبر الإمام علي وبنى عليه المشهد وأقام شعار الرفض ومأتم عاشوراء والاعتزال ثم قال: وبه ختم ترجمة عضد الدولة: قلت: فنحمد الله على العافية فلقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد بالدولة العبيدية بالمغرب، وبالدولة البويهية بالمشرق وبالأعراب القرامطة فالأمر لله تعالى (?).