سنة الله في أرضه، وحكمه بين خلقه, لا يخفض قومًا بعد إذ رفعهم إلّا بما كسبت أيديهم، ولا يغيِّرُ بعد ذلك ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وهو ما حدث بالأمة الإسلامية حين داخلها شيء من الغرور أن الله اختارها ولن يستبدل بها, ونسيت أن الاختيار مؤسس على أسبابه.
{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1 وتحت هذه الشعب الثلاث يندرج الإسلام كله.
أ- إن أول ما أصاب الأمة الإسلامية بُعْدُهَا عن كتاب ربها وسنة رسولها, ومحاولة الأخذ من غير هذين النبعين الصافيين الأصليين، خاصةً بعد ما أوتي الغرب شيئًا من التفوق الحضاريّ على أساس ماديّ.
ب- وصحب ذلك انهزام داخليّ, أصاب شعور الأمة أو بعضها, فعدلت ما عند الناس بما عند الله, إن لم يداخلها الوسواس أنه أفضل.
ج- وصحب ذلك التقليدُ والمحاكاةُ.. ولم تكن تلك صفة الأمة الإسلامية, بل ليست هذه صفة الأمم الأصيلة.
إنها صفة القردة.. أن كانوا حيوانات.. أو كانوا ممن غضب الله عليهم ولعنهم, وجعل منهم القردة وعبدة الطاغوت.
د- ولازم ذلك كله الفرقة.
تفككت الدولة الواحدة وأصبحت دويلات2، وتصارع الحكام على الدنيا، وأحلوا قومهم دار البوار..
والفرقة دائمًا فرصة العدو للنفاذ.. إن الصف المتلاحم المتلاصق لا يستطيع عدوٌّ أن يخترقه, أما الصف المضطرب المختلف الممزق فاختراقه سهل ويسير, والحزمة الواحدة قوية قد تستعصي على الكسر, أما العيدان المتفرقة فكسرها سهل يسير.
هـ- وأعقب ذلك كله تخلف عن مواكبة العصر فيما وصل إليه من أبحاث علمية تجريبية, وما فرض من إغلاق باب الاجتهاد, فينقلوا الغثَّ مع السمين, بل ينقلون الغثَّ أكثر مما ينقلون السمين، وهكذا رأينا ثمار البعثات الخارجية, أخذًا بقشور المدنية الغربية وفسادها, دون أخذ بلبابها.