كما بيّن سبحانه وتعالى: أن سبب وقوع أهل النار في الضلال، هو تعطيلهم لحواسّهم التي هي روافد العقل، حتى صاروا وكأنهم لا أسماع لهم، ولا أبصار ولا قلوب، بل صاروا أجسادا حيّة متحرّكة، كالأنعام، فاستمع أيها المؤمن الى ما قاله الله تعالى في هذا المعنى، وتأمّل واعتبر.. وقل: الحمد لله على نعمة الإيمان.. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون} ، وقال جلّ وعلا: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا} ، ويقول سبحانه مخاطبا رسوله الأمين محمدا صلى الله عليه وسلم، مبيّنا حال الكافرين الغافلين، الذين يستمعون إليه، ولا يسمعون، وينظرون إليه ولا يبصرون: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ ولو كانوا لا يعقلون* ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون* إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون} .
***
شاع على ألسنة كثير من المتعلمين، وفي كتاباتهم، إطلاق "الغريزة" على "الشهوة" في الإنسان، وهذا خطأ فادح، بل إن من هؤلاء من أطلق على " الفطرة السليمة" المعروفة بـ "التديّن" وصف " الغريزة"، فسمّوها:" غريزة التديّن"، ووجه الخطأ في ذلك، واضح في المعنى اللغوي لكل واحدة من هاتين الكلمتين؛ فمن العودة الى قواميس اللغة العربية يتبيّن ما يلي:
[" الغريزة": الطبيعة، وجمعها: " غرائز"، و"الشهوة" هي: إشتياق النفس إلى الشيء، وجمعها "الشهوات"، وهي الاسم من فعل:" شهي الشيء، واشتهاه"، إذا أحبّه ورغب فيه] .
فواضح من تعريف "الشهوة" هذا، أنها اشتياق الى الشيء، وحبّ له، ورغبة فيه، وذلك لا يكون إلا من عاقل، أي: إنسان، بخلاف "الغريزة"، فهي طبيعة في البهائم، أي: جبلة جبلوا عليها، لا عقل يحرّكها، ولا إدراك يوجّهها.