وقد اجتمع لهذه الدعوة خصائص كثيرة لم تجتمع على ما علمنا منذ أمد بعيد لحركة دينية وإصلاحية فى هذا البلد.
1ـ منها شخصية الداعى الأول وهو فضيلة الأستاذ الشيخ حسن البنا رحمه الله عليه فقد كانت ـ كما بلغنا ـ شخصية فريدة يظهر من حياة صاحبها ونشأته أنها قد أعدت لهذا الأمر العظيم إعدادا وقد كان ـ رحمه الله ـ يجمع بين الفهم الواسع للإسلام والغيرة الملتهبة عليه والنشاط الدائم والعمل المتواصل لإعلائه والخطابة الساحرة والشخصية الجذابه والنفوذ العميق فى نفوس أصحابه وأخوانه أو بلفظه هو نفسه " الفهم الدقيق والإيمان العميق والحب الوثيق " ولابد للزعيم المسلم وقائد الدعوة الدينية أن يجمع بين هذه الصفات.
2ـ اجتمع لهذه الدعوة ما قلما تجتمع للحركات الدينية من قوة الإيمان وقوة العمل والعلم العصرى والتنظيم الحديث والأدب والصحافة والصناعة والتجارة مما جعل هذه الدعوة دعوة شعبية عصرية عامة يجتمع فيها العالم الدينى مع المثقف المدنى مع التاجر الكبير مع العامل الصغير مع الكاتب الأديب مع الصحافى البارع مع الصانع الماهر مع الفلاح القوى مع الطالب الشاب مع المعلم الوقور مع الموظف المسئول مع الطبيب النطاسى مع المحامى الكبير مع السياسى المحنك تجمع بينهم رابطة الإخوان وتربطهم شخصية الداعى الكبير.
3 ـ لقد بعثت تربية الداعى والاشتغال بالدعوة ورد الفعل ضد التحلل والتفسخ حماسة عظيمة وتماسكا عجيبا فى نفوس الدعاة وجعلت من الشعب " الرخو الرقيق " ـ كما قال زعيم من زعماء الإخوان ـ شبابنا أثبتوا بطولتهم فى حرب فلسطين وجددوا ذكريات تاريخ الجهاد الإسلامى وأثبتوا رجولتهموعصاميتهم فى عهد الإعتقال والمحنة والتعذيب.
4ـ امتاز الداعى الأول والدعاة بدورهم بالتصريح بالحقائق الإسلامية والظهور فى المظاهر الدينية التى كان الناس يخجلون منها فتشجع الناس وأصبح الدين فى هذا البلد شيئا لا يخجل منهالمثقفون والمتظرفون وبدأ الناس يصلون فى المقاهى والنوادى والولائم وقارعة الطريق بعد ما كانوا يستحيون من ذلك وأصبح الخطباء والكتاب يطالبون بالحكم الإسلامى وتطبيق أحكام الإسلام الإجتماعية ويثيرون موضوعات دينية كانت وقفا على رجال الدين ولم تكن تتجاوز دائرة البحث العلمى ولا شك أن ذلك من نتائج الحركةالاسلامية القوية.
كان كل ذلك ولو طالت حياة المرشد العام وجرت المياه فى مجاريها لكان أكثر من هذا لتغير الوضع الإجتماعى والخلقى للبلاد وماتت بدع كثيرة وعاشت سنن ميته وأقفرت الحانات وعمرت المساجد وتوارى الفجار والدعاة الى الإباحية والخلاعة وكسد الأدب السافر الفاجر واحتجبت المجلات الماجنة والصحف الخليعة وخف السفور الوقح واختلاط الرجال بالنساء الى غير ذلك من العيوب الخلقية والإجتماعية التى يعانيها المجتمع.
ولكن البلاد لم تستطع أن تقدر هذه النهضة قدرها كما أن المعدة الضعيفة المريضة لا تستطيع أن تهضم الغذاء الصالح القوى فتتخم فى بعض الأحيان. فكان كل ما يعلمه الجميع وكانت كارثة إسلامية لم يخسر فيها الإخوان فقط بل خسر فيها الإسلام ورزىء بها العالم الإسلامى.
ولكنى أعتقد أيها السادة أن الله سبحانه وتعالى قد أراد بهذه الدعوة خيرا إذ ردها قسرا الى مرحلة الدعوة الأولى لتزداد هذه الدعوة نضجا وليزداد رجالها تربية وحنكه ومبادئها رسوخا وقوة وأخذ بنواصى العاملين الدعاة ليفكروا فى مستقبل هذه الدعوة ويرسموا خطتها ويحكموا وضعها وأسلوبها.
ليس خطب الدعوة الدينية والتجديد الإسلامى بهين أيها الإخوان الكرام فليست رسالتها ومهمتها قلب نظام فقط أو تغيير وضع سياسى بوضع سياسى آخر ونظام إقتصادى بنظام إقتصادى آخر ولا نشر الثقافة والعلم ومكافحة الأمية والجهل أو محاربة البطالة والتعطل أو معالجة عيوب اجتماعية أو خلقية الى غير ذلك مما يقوم به الدعاة والمصلحون فى أوربا وفى الشرق وإنما هى دعوة " الإسلام " التى تشمل العقيدة والأخلاق والأعمال والسياسة والعبادة والسلوك الفردى والإجتماعى وتتناول العقل والقلب والروح والجسم وتعتمد على تغير عميق فى القلب والنفسية والعقيدة والعقلية وتنبع من القلب قبل أن تنبع من القلم أو صحيفة كتاب أو منصه خطاب وتنفذ على جسم الداعى وحياته قبل أن يطالب بتنفيذها على المجتمع والأمة.