واجبا أن يكون أقوها وأصحها وأن يكون فى العالم الإسلامى بمنزلة الرأس أو القلب فى البدن وقد تضافرت عليه عوامل الإفساد والضعف فأحدثت فيه عللا كثيرة قد ولد فيه ضعف الحكم التركى وغفلته عت تعليم الشعوب وتربيتها وإنفاقه الأموال فى غير موضع والاحترام فى غير وقت وعسفة فى غير هوادة أورث كل هذا البطالة وسقوط الهمة والجهل المطبق فى كثير من البلاد العربية وجاء الإستعمار الأوربى فأورث التفسخ فىالأخلاق والانحلال فى الدين والاندفاع المتهور الى المادية والتهالك علىا لشهوان وقامت الحكومات الشخصية فأورثت التملق وكثرة المجاملات والنفاق والخنوع للقوة والمادة ثم جنى عليهقربة من أوربا فكان هدفا لتياراتها المدنية ومنتجاتها الصناعية وأفكارها المتطرفة وأساء اليه موقعه الجغرافى وأهميته السياسية والاستراتيجية فلج به الغرب وطمع فيه الاستعمار وطوقته الجنود الأجنبية وكان من بقايا الحضارة الشرقية والنظام الإقطاعى والحكم الشخصى الترف والبذخ والتفاوت الشديد بين الطبقات فى المعيشة ثم كان أن خفت فى العالم العربى صوت الدعوة الدينية من زمان وانقرض الرجال الذين كانوا يكافحون المادية ويكبحون جماحها ويلطفون من حدتها بدعوتهم إلى الله وإلى الآخرة وإلى الزهد والاعتدال فى الحياة وقمع الشهوات ويشعلون جمرة الإيمان واستسلم العلماء ورجال الدين أمام تيار الغرب وتغيرات العصر فوضعوا أوزارهم للمدنية الغربية وهجم عليه الأدب الشهوانى والصحافة الماجنة فحلت العقد ونفخت فى الشهوات واجتمع بعض ذلك الى بعض حتى أصبح هذا العالم منحلا منهارا متداعيا لا يمسكه الإيمان ولا تحفه القوة المعنوية ولا تقف فى طريق اندفاعه دعوة قوية.
فى مثل هذه الفترات المظلمة والسحب المتراكمة كان الله يبعث الأنبياء والمرسلين فى الزمن السابق ولكن نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكسف شمسها ولم يتوار نورها وإن دينه لا يزال حيا وإن الكتاب الذى جاء به لا يزال محفوظا وإن أمته التى أرسلت معه لتبليغ رسالته والقيام بدعوته لا تزال فيها الحياة والروح.
لقد أغنانا الله بفضل دينه المحفوظ وكتابه المتلو ونبوءة محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة عن رسالة جديدة ورسول جديد ولكن لا بد من تجديد واسع ودعوة صارخة وكفاح شديد يغير هذا الوضع الجاهلى الذى تورط فيه العالم الاسلامى تورطا قبيحا وأمعن فيه العالم العربى إلى أبعد الحد وقد وعد الله وأخبر رسوله باستمرار هذه الدعوة الإسلامية وبقاء التجديد الدينى ودوام الكفاح فى تاريخ الإسلام ضد الجاهلية التى ترفع عبقريتها زمنا بعد زمن وحينا بعد حين وقد أصبح خطب العالم الإسلامى وفساد أحوال المسلمين وانحرافهم عن جادة الاسلام وطغيان بحر المادية أعظم وأوسع من أن يتدارك بجهود فردية وخطب منبرية ودروس دينية ورسائل دورية مباحثات فقهية ومسائل جزئية ومحاربة الأفراد والأشخاص إن السبيل لا يمسكه إلا سبيل مثله والتيار لا يدفعه إى تيار أقوى منه فلا بد من كفاح عنيف وصراع شديد يغير مجرى الزمن ويقلب تيار الحياة من جهة الى جهة ويحدث أنقلابا فى المجتمع والحياة وفى الأذواق والرغبات وفى قيم الأشياء وموازينها.
من هنا كان سرورنا عظيما لما رأينا نورا جديدا على أفق العالم العربى ظهرت دعوة الإخوان من مصر ـ زعيمة العالم العربى ومصدر الخير والشر للشرق الأدنى ـ فتجدد الأمل فى مستقبل الاسلام واعتقدنا أنها هى الدعوة المنتظرة لإحياء المسلمين وهى التى ستحقق آمال المصلحين وأحلامهم وتتدارك هذا العالم المنهار وتمسك به وما لبثت أن تحولت هذه الدعوة الى سيل متدفق وتيار جارف فأمسك سيول الإباحية والتحلل والإلحاد واللادينية وصد تيارات المدنية الغربية التى كانت تجرف بالبقية الباقية من الغيرة الاسلامية والحياة الدينية وأصبحت تؤثر فى حياة البلاد تأثيرا قويا كاد يغير اتجاه البلاد.