الخاصة فإنه لا يلائم العامة في شئ. وقد أثارت فلسفة النحو ما أثارت من نقد قديما وحديثا فلاحظ ابن حزم «أن علل النحو فاسدة». ودعا ابن مضاء الأندلسي إلى إلغاء نظرية العامل ورفض العلل النحوية. فكتب كتابه "الرد على النحاة" الذي يقول في مقدمته: «قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه وأنبه على ما أجمعوا على الخطإ فيه» ([46]). ويضيف قائلا: «رأيت النحويين - رحمة الله عليهم - قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن وصيانته عن التغير فبلغوا من ذلك الغاية التي أموا وانتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا، إلا أنهم التزموا ما لا يلازمهم، وتجاوزوا فيها القدر الكافي فيما أرادوه منها، فتوعرت مسالكها، ووهنت مبانيها، وانحطت عن رتبة الإقناع حججها حتى قال شاعر فيها:

ترنو بطرف ساحر فاتر * أضعف من حجة نحوي

على أنه إذا أخذت المأخذ المبرأ من الفضول المجرد عن المحاكاة والتخيل، كانت من أوضح العلوم برهانا وأرجح المعارف عند الامتحان ميزانا ولم تشمل إلا على يقين أو ما قارب الظنون» ([47]).

وزاد من إذكاء هذه العلل عصرنا الذي نحيا فيه، فبدا عليه الوهن والضعف ما لم يشهده من قبل، ومال الناس إلى النفور منه وشكوا في جدوى تعلمه للناشئين، فدعوا إلى تجديده وتيسيره وتقديمه سهلا سائغا. وانقسم الناس فئات عدة في وجوه الإصلاح اللغوي، وذهبوا إلى ذلك مذاهب مختلفة، كان من بينها الدراسات التي اعترف أصحابها بأن العربية هي الأفضل وأن الإبقاء على بنيتها هو الطريق الأمثل، وشخص هؤلاء عللا فيها وسجلوا طرقا لدرسها ودرس نحوها، فوضعوا الكتب الحديثة مراعين فيها قابليات الناشئة من الطلبة، وقصروها على المسائل التي لا يسع الطالب جهلها، وتخفيف ما فيها من شواذ و ذلك في حدود ما يتفق مع الواقع الذي نعيشه. فقد انقضى الزمن الذي كان يقف فيه الناشئ عدة سنوات من حياته على دراسة النحو وأبوابه، يبدأ فيه ويعيد. وقد شخص الدكتور علي أحمد مدكور المشكلة فيما يلي: «إن جوهر المشكلة ليس في اللغة العربية ذاتها، وإنما هو في كوننا نتعلم العربية قواعد صنعة، وإجراءات تلقينية، وقوالب صماء نتجرعها تجرعا عميقا، بدلا من تعلمها لسان أمة ولغة حياة».

إن النحو العربي من حيث موضوعاته وطرائق تدريسه - كما يعلم عندنا - ليس علما لتربية الملكة اللسانية العربية، وإنما هو علم تعليم وتعلم صناعة القواعد النحوية. وقد أدى هذا مع مرور الزمن، إلى النفور من دراسته، وإلى ضعف الناشئة في اللغة بصفة عامة ([48]). وكان من بين المحاولات الأولى الجادة في تعليم النحو العربي هي محاولة حنفي ناصف عندما ألف سنة 1906 م دروسا في النحو والصرف والبلاغة وجمعها في كتاب واحد صغير الحجم عظيم القدر سماه "قواعد اللغة العربية لتلاميذ المدارس الثانوية" وقسم الكتاب حسب أنواع مراعاة للتيسير على المتعلم فجعله في ثلاثة أبواب: باب للفعل وباب للاسم وباب للحرف، محاولا تلخيص قواعد النحو العربي في صورة مبسطة تيسر على المتعلم تعلمها دون إغراقه بالتأويلات والتعليلات مع الاستعانة بأمثلة وشواهد من القرآن الكريم والأمثال وفصيح كلام العرب، فاستن بذلك سنة كان لها أثرها، وسار على نهجه علي الجارم بما وضع من كتب في (النحو الواضح)، وشاءت وزارة المعارف أن تسجل هذا التيسير وتعززه، فشكلت في عام 1930 م لجنة لتيسير قواعد النحو والصرف، على أن تلتزم بأصول اللغة، وأن تتخذ من مذاهب القدماء أيسرها على الناشئين. وقد انتهت هذه اللجنة إلى طائفة من المقترحات تصوب إلى صميم القواعد الشائعة في الاستعمال، وتهون من أمر الإعراب على شباب المتعلمين. وما أشبه النحو الذي رسمته بأجرومية بعض اللغات الحية كالفرنسية والانجليزية.

وقد بقيت هذه المقترحات مطوية في وزارة المعارف نحو عشر سنين، ولم تنشر إلا يوم أن أحيلت على مجمع اللغة العربية ليدلي فيها برأيه. ودرسها وبحثها، فأقر مشروع تيسير النحو المقدم من الوزارة في شيء من التعديل. ودعا إلى وضع كتاب يعبر عنه ويؤديه أداءًا صادقاً، واقترح لذلك لجنة خاصة، لم يقدر لها أن تخطو خطوة واحدة، وبقي الموضوع طي النسيان، ولم يثر إلا عام 1962 م، فألفت فيه كتب ([49]).

وكانت هناك محاولات أخرى منها:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015