وقد اختلف النحاة بين كون الإعراب لفظيا فيدور حول العوامل وما ينجم عنها من حركات، أو معنويا فيدور حول المعاني التي تدل عليها تلك الحركات. والفرق بين الفريقين أن القائلين بأنه لفظي يرون أن الحركات ناجمة عن عوامل لفظية كالأفعال والحروف والأسماء المشتقة، في حين يرى القائلون بأنه معنوي أن الحركات ناجمة عن تغيير المعاني كالفاعلية والمفعولية والإضافة .. الخ، أو أن الحركات دوال على تغير هذه المعاني ([41]). وقد حظي القرآن الكريم باهتمام النحاة في هذا الباب، فألفوا في إعرابه كتبا نذكر منها ما يلي:

(1) إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج (311 ه)

(2) إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس (338 ه)

(3) إعراب القرآن لابن خالوية (370 ه)

(4) البرهان في علوم القرآن للحوفي (430 ه)

(5) تفسير مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (437 ه)

(6) إعراب القرآن للعكبري (538 ه)

(7) إعراب القرآن لابن الأنباري (577 ه)

(8) إعراب القرآن للسفاقسي (742 ه)

(9) إعراب القرآن للسمين الحلبي (756 ه)

(10) إعراب القرآن لمؤلف مجهول ([42]).

دون أن ننسى المجهودات الجبارة التي بذلها ابن جني في هذا المجال. فقد فتح بدراساته وتآليفه في دنيا اللغة العربية أبواباً لم يتسن فتحها لسواه، واستعصت مغالقها على غيره، ووضع أصولا في الاشتقاق ومناسبة الألفاظ للمعاني وإهمال ما أهمل من الألفاظ وغير ذلك، فكان إنتاجه بحرا زاخرا سبح فيه خالفوه وغرف منه تابعوه. فكان واحداً من علماء اللغة القلائل الذين اتسعت نظرتهم، وامتدت مجالات دراساتهم، حتى شملت اللغة والنحو والتصريف والعروض والقراءات والأصوات .. ؛ كما - يعد من ناحية ثانية - علما من أعلام اللغة الذين لم تبل أفكارهم، ولم يتجاوزها الزمن رغم ما يربو على أكثر من ألف سنة على كتابها ... ويكفي ابن جني فخرا أن يكون واضع أسس علمين هامين من علوم اللغة وهما (علم الأصوات) و (علم أصول النحو). ولهذا كان ابن جني محقا في قوله عن كتابه "سر صناعة الأعراب" الذي خصصه للدراسات الصوتية: «وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع». ولم يبالغ محققو كتابه "سر صناعة الإعراب" حين عقبوا على مقالته بقولهم: «لنا أن نسجل هنا أن ابن جني يعد بحق من اللغويين العالميين الذين وضعوا أسس الدراسة الصوتية قبل أن تعرفها أروبا في النهضة الحديثة». وقد وجد السيوطي ضالته في ابن جني فبنى كتابه المسمى "الاقتراح في علم أصول النحو" على كتاب ابن جني الشهير "الخصائص" ([43]).

إن قيام النحو ليس إلا إقرارا بسلطة الزمن على اللغة، وقد نشأ انطلاقا من وعي بحتمية التغير الطارئ على الظاهرة اللغوية، فكانت نشأته امتثالا دينيا مذهبيا أكثر مما كان تطلعا من تطلعات الفكر نحو عقلنة الحدث اللساني. وقد أطلق الإمام المازني تلميذ سيبويه البار على كتاب أستاذه لقب (قرآن النحو). ويقول ابن منظور: «فإنني لم أقصد سوى أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضه يعلم ما توافق فيه النية اللسان ويخالف فيه اللسان النية وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان حتى لقد أصبح اللحن في الكلام لحنا مردودا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا ... » ([44]).

الدعوة إلى تطوير النحو العربي

وعلى الرغم مما بذل للنحو العربي من جهد خلال الحقب المتعاقبة، إلا أنه بدا - في حالات - مصابا بآفات وعلل، أضعفت شأنه، وشوهت جماله. والحق أن النحو منذ نشأته داخلته شوائب نمت على مر الليالي، وتغلغلت برعاية الصروف وغفلت الحراس، فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى ([45]). وتعالت الصيحات بالشكوى من صعوبته - لم يخل منها زمان ولا مكان على امتداد الوطن العربي - وأظهر الكثيرون ما يجدون فيه من مشقة وعنت، واعتبره البعض قاصم الظهور والعدو الأول في القائمة، وبمجرد الحديث عنه يشتد الحساب ويتصاعد الضغط حتى بالنسبة لأصحاب القدم الراسخة في قواعده، وقل من يستطيع القفز على حواجزه. وليس ثمة نحو صادف من العناية ما صادفه النحو العربي، ولم يرق إلى مستواه نحو قديم ولا حديث. غير أن نحاتنا غلوا في فلسفة النحو، وتفننوا في العلل، وأسرفوا في الألغاز والتوجيهات النحوية، وإن لاءم هذه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015