أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك.

والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق.

والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي.

فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له» ([28]).

ويرى الدكتور حسين ظاظا «أن سيبويه كان عالما بالعربية، ويبدو مع ذلك في كل خطوة من خطوات نقاشه النحوي وكأنه طوال حياته قد بقي تلميذا لا أستاذا وسائلا لا مجيبا، ومستفهما لا مفتيا. ومن هنا يبدو عمله النحوي العظيم "الكتاب" للقارئ السطحي غير الصابر على مسالك العربية وأسرارها، دسما إلى درجة تحتاج إلى جهد كبير في الهضم. كان سيبويه منطقيا، وكان يحاول أن يتلمس في داخل كلام العرب كله، وفي ثنايا نظامهم في صياغة الجمل وسبك الأساليب، وحدة فكرية متماسكة تضم كل الأطراف البعيدة، وتنتظم في سمطها أدق الدقائق، وأشد التفاصيل لطفا وخفاء. كان كتابه هو الاستجابة الحقيقية لاستنجاد اللغة العربية وهي تخوض السباق الرهيب مع الفكر والحضارة في أوجهما، وكان الكتاب قديراً على ذلك. كان ثروة شاملة في التأليف اللغوي في داخل الحضارة العربية، وكان أيضا دستورا يسير عليه النحاة العرب بعد سيبويه، بإعجاب وطاعة ووفاء من السواد الأعظم منهم في البصرة وبغداد والموصل، ونيسابور والري وقم وأصفهان والأهواز وشيراز والقاهرة والقيروان وفاس وقرطبة وطليطلة وسرقسطة ... لكن معجزة سيبويه لا تتم كامل تألقها الشامخ الباهر إلا عندما نرى أثره في تسجيل اليهود لقواعد لغتهم العبرية، ولأول مرة في تاريخهم الطويل، متتلمذين هم أيضا على "الكتاب" وآخذين منهجه بحذافيره» ([29]).

أما عن صعوبة "الكتاب" ومضمونه فهذا أمر لا جدال فيه لأنه يحتاج إلى استعداد ذهني قوي وهو أمر لا يتأتى لكل واحد، فقد قال أبو عثمان المازني: «قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا» ([30])؛ ورغم ذلك فقد فرض كتاب سيبويه نفسه حتى على الكوفة التي ناصبته العداء وتحزبت ضده، فاضطر نحاتها إلى دراسته وشرحه والاستعانة بما فيه من دفائن أسرار العربية، ثم النسج على منواله، واقتباس ترتيبه وتبويبه فيما حاولوا تقييده من قواعد العربية في كتبهم ([31]).

فالكسائي أحد زعماء مدرسة الكوفة قرأ كتاب سيبويه على الأخفش سرا، والفراء مات وكتاب سيبويه تحت وسادته مع أنهما كانا يخالفان مذهب سيبويه حتى في ألقاب الأعراب وتسمية الحروف ([32]). وفي نفس الوقت لم ينج من انتقادات كان آخرها ما طلع علينا في السنوات الأخيرة من طرف المهندس اللبناني "زكريا أوزون" في كتابه "جناية سيبويه" يحمله فيه وزر تعقيد بل تبليد النحو العربي، وقد صدر الكتاب عن دار الرياض الريس للنشر سنة 2002 م ([33]).

هكذا وضعت الأسس الأولى للنحو العربي وإقامة بنيانه على أصول ثلاثة:

أ - السماع ب - التعليل ج - القياس

ثم طال الكلام في هذه الصناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصْريْن القديمين للعرب وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في إعراب كثير من آي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين. وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل ... ([34]) وصاغوا قواعده في متون أقدمها وأكثرها شهرة وتداولا بين طلبة العلم منظومة (ملحة الإعراب في صناعة الأعراب) للحريري ([35]) و (ألفية ابن معطي المغربي) ([36]) و (ألفية ابن مالك) ([37]) وقد كتب لها من الشهرة والذيوع ما لم يكتب لغيرها. و (الفريدة) للسيوطي ([38]) واكتسبت كلمة (الإعراب) دلالة علمية جديدة، وأصبحت من مصطلحات النحو المشهورة. قال الزجاجي: «الإعراب: الحركات المبنية عن معاني اللغة» ([39]).

وقال ابن الأنباري: «الإعراب هو اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا» ([40]).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015