إن أهم ما يلاحظ على هذه المعاجم القديمة والحديثة أن الكثيرين من أصحابها درجوا على تجنب ذكر الدخيل والمعرب والمولود في اللغة، واقتصروا على الفصيح، بل عدوا اللغة العامية سوقية غير فصيحة ولا لائقة وقد حظيت هذه المعاجم بدراسات عديدة أنجزها باحثون في مجال اللغة العربية نذكر منهم: سعيد الأفغاني "تقرير عن أضرار المنجد والمجد الأدبي"، دمشق، 1969 م، ويعقوب بكر "دراسات مقارنة في المعجم العربي"، بيروت، 1970 م، وعدنان الخطيب "المعجم العربي ونظرات في المعجم الوسيط"، دمشق، 1965 م، وعبد الله درويش "المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين"، ومحمد أبو الفرج "المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث"، القاهرة، 1966 م، وعلي القاسمي "علم اللغة وصناعة المعاجم"، الرياض، 1975 م، وحسين نصار "المعجم العربي: نشأته وتطوره"، القاهرة، 1968 م، وغيرهم، إضافة إلى ما أنجزه مكتب تنسيق التعريب بالرباط ومعاجم اللغة في القاهرة وبغداد ودمشق والأردن. ويرى الباحث المغربي عبد الغني أبو العزم أن «الهم الأكبر الذي كان يشغل بعض صانعي المعاجم القديمة هو جمع اللغة العربية مع إيراد الاستعمالات اللغوية ومختلف الاستشهادات والتركيز على الاختلافات الدقيقة لمعاني الكلمة. وهذا العمل وما يتضمنه من توجهات علمية تدعمه قناعة إيديولوجية ودينية مما جعلهم يستبعدون لغة الحديث وما كان يسمى بالدخيل والمبتذل والغريب، وما كان يجده القارئ في تلك المعاجم لم يكن يخرج عن نطاق لغة بعض القبائل مدعمة بلغة القرآن والحديث، مع في لهجات القبائل من تباين ومفارقات، وعلى الرغم من هذا التوجه الطاغي فإن ذلك لم يمنع بعض المعجميين واللغويين من محاولة الاستقصاء، وهذا التوجه كان يراعي المستوى المعرفي والتطور الفكري، مما جعل من المدونة المعجمية القديمة تستجيب في مدوناتها لمختلف المستويات والمعارف، وعكست بذلك أنماطا من الفكر السائد الذي لم يكن يخلو بطبيعة الحال من الصبغة الإيديولوجية»، وقد سعى بإمكاناته العلمية إلى أن يحقق مجموعة من الأهداف يمكن حصرها فيما يلي:
حفظ اللغة وتنمية قدرات القارئ على فك رموزها.
تدعيم سيطرة اللغة العربية كأداة للسلطة السياسية والإدارية.
حفظ أداة القرآن والحديث والتمكن منها للتمكن من الدين ([18]).
فهل لغتنا العربية الفصيحة لا تزال في حاجة إلى معجم جديد يساير تطورها، فيه لغة جديدة نستقريها مما يكتب في عصرنا ويجد؟ قد يبدو التفكير في هذا المشروع مبالغا فيه لأول وهلة. لولا أن كثرة المفردات والاستعمالات اللغوية الجديدة والغريبة في آن واحد تدفع إلى ذلك، فما أحوجنا اليوم إلى معاجم عصرية تضم كل ما دخل اللغة العربية من ألفاظ حديثة فتتبناها وتتمثلها.
اللغة ملك لمن يستعملها
إن اللغة العربية لغة حية نامية فهي تنمو وتزدهر بنمو المجتمع العربي وازدهاره في حقول الحياة كلها المادية منها والاجتماعية والسياسية والأدبية والعلمية والتقنية، ولما كانت العلوم والمخترعات آخذة بالنمو السريع، ولما كانت الأفكار والاكتشافات والاختراعات الجديدة تتطلب كلمات جديدة تعبر عنها فكان لابد من الاتفاق على هذه الكلمات الجديدة تستطيع الاستجابة لحاجات العصر، لأن تطوير اللغة العربية ضرورية أبصرها واحد من أكبر أعلامها ومفكريها في القرن العشرين هو الراحل الأستاذ عباس محمود العقاد في المقدمة التي كتبها لكتاب "الصحاح ومدارس المعجمات العربية" للدكتور أحمد عبد الغفار عطار. قال العقاد: «وفي وسعنا أن نضيف المفردات إلى معجماتنا كما أضافها اللغويون من أمثال الجوهري - صاحب "الصحاح" - وتلاميذه الثقاة، فلا حرج من إثبات المولد والدخيل والمعرب في مواضعها من المعجمات الحديثة لأنها إذا جرت في اشتقاقها أو النطق بها مجرى الفصيح زادت ثروة اللغة ولم تنتقص منها، ودلت على مرونة في اللغة العربية تجاري بها الزمن، وتلبي بها مطالب الحضارة ومطالب العلوم المتجددة على الزمن، وربما كان مصاب اللغة بالتحجر وفقدان المرونة أشد عليها من فقدان القواعد النحوية والصرفية، لأن كثيرا من اللغات ماتت ومعها قواعد صرفها ونحوها ولم تمت لغة كان لها من المرونة ما يلبي مطالب الجماعات الإنسانية في كل بيئة وكل مقام».
¥