وسار على نهجه من بعده ابن فارس (المتوفى سنة 395 ه) الذي ألف معجمين: "مجمل اللغة" و"مقاييس اللغة" وكلاهما يتبع الترتيب الألفبائي من أوائل الكلم، محاولا التخفيف من وعورة الطريق التي سلكها الخليل في كتاب "العين". كما انفرد في (مقاييسه) بتكييف مادته تكييفا يشير إلى ظاهرة الاشتقاق في اللغة ([14]). يقول في مقدمة معجمه "مجمل اللغة": «إني لما شاهدت كتاب "العين" الذي صنفه الخليل ووعرة ألفاظه وشدة الوصول إلى استخراج أبوابه ... ورأيت الجمهرة الذي صنفه ابن دريد قد وفى بما جمعه الخليل وزاد عليه، لأنه قصد إلى تكثير ألفاظه ... أنشأت كتابي هذا بمختصر من الكلام قريب، يقل لفظه وتكثر فوائده ... وسميته بالمجمل، لأني أجملت الكلام فيه إجمالا. ولم أكثره بالشواهد والتصاريف إرادة للإيجاز. فمن مرافقه، قرب ما بين طرفه، وصغر حجمه، وحسن ترتيبه». كما يحدد هدفه في مقدمة مقاييس اللغة قائلا: «إن للعرب مقاييس صحيحة، وأصولا تتفرع منها فروع، وقد ألف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا ولم يعربوا في شئ من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس ... والذي أومأنا إليه باب من العلم جليل، وله خطر عظيم ... »، وعرف القرن الرابع الهجري ازدهارا كبيرا لعلوم العربية وتفننا في تأليف المعاجم. نذكر منها:
أ. "المحيط في اللغة" للصاحب بن عباد (326 - 385 ه).
ب. "التهذيب في اللغة" لأبي منصور الأزهري (282 - 371 ه).
ج. "الصحاح" لإسماعيل بن حماد الجوهري (توفي 393 ه).
تلا ذلك ظهور معاجم أخرى في عصور مختلفة لعل أهمها ما يلي:
1 - مبادئ اللغة لمحمد بن عبد الله الإسكافي (توفي 420 ه).
2 - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة و"المخصص" لعلي بن إسماعيل ابن سيده (398 - 458 ه).
3 - أساس البلاغة لمحمود بن عمر الزمخشري (467 – 538 ه).
4 - العباب للحسن بن محمد الصاغاني (557 - 650 ه).
5 - مختار الصحاح لزيد الدين محمد الرازي (توفي بعد 666 ه).
6 - لسان العرب لمحمد بن مكرم ابن منظور (630 - 711 ه).
7 - المصباح المنير لأحمد بن محمد الفيومي (توفي 770 ه).
8 - القاموس المحيط لمجد الدين محمد الفيروز أبادي (729 - 817 ه).
9 - تاج العروس لمرتضى محمد بن محمد الزبيدي (1145 - 1205 ه).
10 - محيط المحيط (مرتب على حروف المعجم باعتبار الحرف الأول) لبطرس البستاني، بيروت، 1870 م.
11 - قطر المحيط (وهو مختصر مختصر المحيط) لبطرس البستاني، مجلدان، طبع في بيروت سنة 1870 م.
12 - أقرب الموارد في فصيح العربية والشوارد وذيله لسعيد الشرتوني في ثلاثة مجلدات (1059 ص، الذيل 545 ص) ألفه على نسق محيط المحيط مجلدين والمستدرك في جزء ثالث، بيروت، (1889–1893 م).
13 - تصحيح القاموس المحيط لأحمد تيمور (في مجلدين)، القاهرة، 1924 م.
14 - معجم متن اللغة (موسوعة لغوية حديثة) للشيخ أحمد رضا (في خمس مجلدات)، بيروت، 1958 م.
15 - مختار القاموس (مرتب على طريقة مختار الصحاح) للطاهر أحمد الزاوي، القاهرة، 1964 م.
16 - لسان العرب المحيط ليوسف خياط في ثلاث مجلدات، بيروت، 1968 م.
17 - المعجم اللغوي التاريخي للمستشرق الألماني فيشر (الجزء الأول منه)، 1968 م يحتوي على مقدمة نفيسة في المعاجم العربية وتطورها وما يلاحظ عليها.
18 - المعجم المساعد لأنستانس الكرملي (اشتغل به منذ 1887 م حتى سنة وفاته)، بغداد، صدر منه مجلدان، 1972 - 1976 م.
19 - التكملة للمعاجم العربية من الألفاظ العباسية لإبراهيم السامرائي، عمان 1976 م.
20 - التأليف من خلال معاجم المعاني لوجيهة السطل، دمشق، 1976 م ([15]).
واللائحة طويلة مما يدل على أن اللغة العربية غنية غناء ملحوظا بمعاجمها، بل لا تكاد تجاريها أمة من الأمم في القديم والحديث. وقد ألفت المعاجم في وقت مبكر من تاريخها (القرن الثاني الهجري) وتنوعت تلك المعاجم بحيث لم تترك مجالا إلا أغنته ([16]). وهو ما يؤكده (جون هيوود) في مؤلفه الشهير عن المعاجم العربية: «الحقيقة إن العرب في مجال المعاجم يحتلون مكان المركز سواء في الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم، وبالنسبة للشرق والغرب .. ويؤكد في موضع آخر أسبقية العرب لغيرهم كالهنود: ومن العدل أن نقول إن فترة النشاط المعجمي في الهند كانت في القرن الثاني عشر، وهو وقت كان العرب فيه قد أنتجوا بعضا من معاجمهم العظيمة» ([17]).
¥