الاجتماعية والجغرافية والفردية تصاب بالتحيز الثقافي. لاحظ ذلك في ألوان الطيف وألقابها في اللغات المختلفة، فإنك واجد اختلافات كبيرة بينها في عدد هذه الألوان، على الرغم من أن الواقع الفيزيقي المادي واحد، وهذا ما حمل بعض العلماء على القول بأنه إذا كان بعض الأفراد يصابون بعمى الألوان المادي فإن ثمة مجتمعات بأسرها يمكن أن تصاب بعمى الألوان الثقافي".
ثم يقول: "وإذن، فليس القياس بالجهاز والآلة وحده هو الحكم الوحيد الذي ترضى حكومته في مسائل العروض، لأن الإيقاع كم نفسي ذاتي مدرك قبل أن يكون كما فيزيقيا موضوعيا منتشرا في الهواء على شكل موجة صوتية. ولا مناص من النظر في هذه الحقائق العلمية إذا أريد لمسائل العروض أن تدرس دراسة علمية دقيقة. لذلكم يقول "شاتمان"، وهو محق، "إن الذي يبدو ظاهرا للعيان هو أن الآلات وحدها لن تحل مشكلات النظرية العروضية".
وأختم هذه الاقتباسات بقول مصلوح: " وبالنظر إلى ما تتسم به هذه الأجهزة من صفة الحياد الثقافي فإنها لا يمكن أن تخرج لنا نتائج صحيحة ودقيقة إلا بقدر ما يغذيها الباحث تغذية صحيحة بالعينات المراد تحليلها. وهذه الحقيقة تفتح الباب لسؤالات كثيرة حول العينات التي يفترض أن الباحث قد قدمها لأجهزة التحليل الصوتي ... فكيف اختار الكاتب عيناته التي غذى بها الأجهزة؟ وبأي شروط؟ وعلى أي أساس؟
وهل نطق بالتفاعيل الخليلية أم بكلمات على وزانها؟ وهل نطق بها معزولة أم اقتطعت للتحليل من سياق أدائي متصل؟ وإذا كانت مقتطعة من سياق أدائي متصل فهل كان الأداء عاديا أم إنشادا دراميا؟ هل كان هو الناطق بها أم غيره؟ وإذا كان الناطق غير الكاتب فهل كان فردا أم عددا من الأفراد؟ وإذا كان الناطق فردا فهل نطق بها مرة واحدة أم أكثر من مرة؟ وإذا تعددت مرات النطق من فرد أو أفراد فهل يمكن أن يتساوى الكم الزمني تساويا رياضيا دقيقا في جميعها؟ وإذا كان الاتفاق التام محالا، وكان الاختلاف حاصلا لا ريب فيه، فهل اعتمدت وسيلة إحصائية لقياس ثبات النتائج وانحرافها المعياري؟ وعلى أي جهاز أو أجهزة تم التحليل؟ وهل قام به الكاتب نفسه أم بواسطة؟ وهل توافر للقائم به صدر علم كاف بالمشكلات النظرية الحاكمة على صياغة الفروض ومعالجتها الصوتية، وبالمهارات البحثية والعلمية لاختبارها؟
كل أولئك أمور جوهرية لا يمكن بدون تحريرها وجلائها الوثوق بنتائج الدراسة المختبرية".
في ظني، إذ أستمع إلى كل هذه الشروط التعجيزية، أني لن أقدم على أي تجربة علمية مهما كانت ضئيلة، ولا حتى استخدام طريقة إحصائية ما، ما دامت ستحاصرني مثل هذه الأسئلة!
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[06 - 11 - 2010, 07:48 ص]ـ
تأثرًا بأبحاث المستشرقين أيضًا، فقد دعت بعض الدراسات إلى تحليل إيقاعِ الشعر العربي اعتمادًا -مطلقاً- على ظاهرة النبر اللغوي ([1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=62615#_ftn1))، أو إعطاء النبر دورَ المنظِّمِ الإيقاعي الرئيسي ([2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=62615#_ftn2))، أو حتى إعطائه دورًا ما في تمييز الأوزان ([3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=62615#_ftn3)). فقد رأى محمد مندور أن الارتكازَ (النبر) عنصرٌ أساسيٌّ في الشعر العربي، ومن تردُّدِه يتولّد الإيقاع، وهو "يقعُ على كلِّ تفعيل، ويعودُ في نفس الموضع على التفعيل التالي"! وأنه لا يقع إلاّ على مقطعٍ طويل، يُشكّل المقطعَ الثاني للوتد المجموع (//ه)، فالوتد هو النواة الموسيقية التي تحمل الارتكاز، ولا ينكسر الوزن إلاّ إذا أدّى الزحاف إلى فقدان النواة التي تحمله.
وليس النبرُ ظاهرةً مطّردةً في الشعر العربي -بل ولا في النثر العربي- وليس له فاعلية إيقاعية بحيث يمكن الاعتماد عليها في تكوينِ نظامٍ إيقاعي. بل ليس للنبر في اللغة العربية فاعليةٌ معنوية واضحة، إذْ لا تتأثّر معاني الكلمات العربية بتغيّر أماكن النبر عليها. وكثيرًا ما تختلف مواقع النبر في نفس الكلمات تبعًا للّهجات العربية المتعددة، أو المناطق المختلفة، دون أن يؤثر ذلك على قراءة أهلها للشعر موزونًا ومفهومًا. ولا نرى للنبر في العربية أكثر من وظيفة تعبيرية، كالتأكيد على معنى أو التنبيه إليه.
¥