وظهر في عصرنا هذا مفهوم جديد للإيقاع وهو الإيقاع الداخلي (الموسيقا الداخلية) الذي برز مع الدراسات الإجنبية الفرنسية والإنجليزية لقصيدة النثر , حيث أوجدوا للإيقاع مفاهيم دلالية وبلاغية ومرئية , لكنها بالمفهوم العام للشعرء فهو الإيقاع الذي ينسجم فيه المتلقي مع النغمات اللفظية , والذي يشكل مع الإيقاع الخارجي (الوزن والقافية) بنية حسية وذوقية وإيقاعية متكاملة , لا يفصل أحدهما عن الآخر ,
وكثر النقاد حول هذه المفاهيم دون أن يجدوا تعريفاً دقيقاً لأقوالهم للفصل بين هذه الإيقاعات , ومنهم من جعل الإيقاع متماشياً مع نبر الكلمات سواء أكان شعراً أم نثراً , وهذا النوع من الإيقاع (كيفي) لا (كمي) , وفي هذا خلط كبير لعدم إمكانية التفريق بين الشعر والنثر.
ومنهم من اعتبر الإيقاع شيئاً من طبيعة اللغة عامة أي أنه خاصية شعرية ونثرية , وهذا يعتبر نقيض لمبدأ الإنتظام الإيقاعي , وفيه خلط بين الشعر والنثر بشكل عام.
ومنهم من اعتبر الإيقاع نغمات تتداخل في حروف الكلمات اللغوية فيها الارتفاع والانخفاض , وهذا الإيقاع عام في كل الأشكال الأدبية نثرية كانت أو شعرية ,وبهذا الحال لا يمكن التفريق بين قصيدة النثر أو بين قصيدة التفعيلة أو حتى أي قراءة نثرية , ويقول الدكتور عبد الحميد حمام في هذا الخصوص ما يناقض قولهم قائلاً: (((إن لكلمة إيقاع في الموسيقى دلالة تختلف عنها في الأدب , وتقتصر على معالجة المدة الزمنية والنبر , أما ارتفاع الطبقة وانخفاضها والإعادات والتعبير فتتبع لعناصر أخرى مثل اللحن والطبقة والشكل البنائي))).
ولقد استعمل العرب قديماً كلمة الوزن لتعني الإيقاع , ونسبوه للشعر بشكل خاص , وللأوزان الصرفية بشكل عام , ولكنهم قصدوا به الانتظام في الحركة والزمن أي الانتظام النغمي الموسيقي في الشعر.
ومع انفصال الشعر عن الموسيقى , بدأ النقاد يخلطون لغوياً بين الإيقاع بمفهومه المنتظم وبين الموسيقا بمفهومها اللغوي البعيد عن الانتظام , فمنهم من يقول: إيقاع الزمن وإيقاع الحرف , وإيقاع الجملة والكلمة والرياح والماء والقلب وغيرها , وما هي إلا أصوات موسيقية لا يربطها انتظام في حركة أو زمن.
وبخاصة عندما اتسعت دراستهم وتبنوا مباديء الشعر الجديد عند رامبو وبودلير، ورفضو القديم , وجاؤوا بقصيدة النثر التي قدمها أدونيس والخال وغيرهم , أو عندما تمت ترجمة رسالة دكتوراه الباحثة الفرنسية سوزان برنار حول هذا الموضوع والتي كان عنوانها (قصيدة النثر من بودلير الى اليوم).
ووصلت الثقافة العربية إلى الثقافات اليونانية والفرنسية والأوربية واستعملوا الايقاع أو (الريتم) في الشعر اليوناني سواء أكان هذا الإيقاع يتسم بالانتظام أم يخلو منه , ولم يجدوا للإيقاع تعريفاً دقيقاً , ويبقى تعريف الإيقاع بلغة الشعر والموسيقى من أدق التعريفات وأوضحها.
والذي يهمنا في هذه الدراسة هو الإيقاع الشعري الموسيقي (الكمي) ,والذي نعتبره عماد الشعر , فلا شعر من غير إيقاع , والذي يعني التكرار وتوقعه, ويتخلله زمن ثابت , تلازمه الحركات اللفظية والمعنوية بجرس الكلمات وأنماطها ونبراتها, ليرتبط الزمن بالوحدات الإيقاعية التي هي أساس للإنتظام الإيقاعي الموسيقي المحض , ويرتبط الإيقاع بالعروض والشعر , ليميز الشعر عما سواه ..
ونتناول الآن ما قيل عن الإيقاع الشعري الموسيقي:
لقد ربط السجلماسي بين الإيقاع والوزن فقال:
“الشعر هو الكلام المخيّل المؤلف من أقوال موزونة ومتساوية وعند العرب مقفاة، ومعنى كونها موزونة، أن يكون لها عدد إيقاعي, ومعنى كونها متساوية هو ان يكون كل قول منها مؤلفاً من أقوال إيقاعية، فانّ عدد زمانه مساوٍ لعدد زمان الاخر”.
وهذا النوع من الإيقاع لا يوجد في النثر بشكل عام.
وأما الإيقاع في الاصطلاح الموسيقي فهو:
النقلة على النغمة في أزمنة محدودة المقادير والنسب، أو تقدير لزمان النقرات، في أزمنة تتوالى متساوية وكل واحد منها يسمى دوراً، ويعتبر الإيقاع من أبرز العناصر المميزة للخطاب الشعري وهو مفهوم واسع شامل.
وهذا النوع من الإيقاع لا يوجد في النثر بشكل عام.
أمْا عن وظيفة الإيقاع فيقول الدكتور عبدالرضا علي:
¥