قد يفسر حشر الأجساد بجمع أجزائها المتفرقة، و قد يفسر بإنشاء أجساد أخرى، و النصوص الشرعية تدل على أمر جامع لهذين، و قد أورد على الأول أن الأبدان في الدنيا تنمو و تحلل فتفارقها أجزاء و تتعوض أجزاء أخرى، و لا تزال هكذا ثم تبلى بالموت و تتفرق فتدخل أجزاء من هذا البدن في تركيب من هذا البدن في تركيب أبدان أخرى و هلم جرا، و إعادة تلك الأجزاء أعيانها في جميع تلك الأبدان بأن تكون هي أعيانها في هذا و هي أعيانها في ذاك في وقت و احد غير معقول، فإن أعيدت في بعضها فلم يعد غيره على ما كان عليه، و أيضاً فقد تكون الأجزاء من بدن مؤمن، ثم تصير من بدن كافر، و عكسه. و أجيب بأن المعاد في كل بدن إنما هو أجزاؤه الأصلية. ونوقش في هذا بما هو معروف. (1)

أقول: النصوص لا تدل على إعادة هذه الأجزاء كلها في كل بدن في وقت واحد، و إنما تدل على الإعادة في الجملة، و إذا تدبرنا الحكمة في الإعادة أمكننا أن نفهم التفصيل تقريباً.

فمن الحكمة إظهار قدرة الله عز و جل على الحشر، و تصديق خبره بأنه واقع. وهذه الحكمة إنما تستدعي الإعادة في الجملة، و ذلك يحصل بما يأتي قريباً.

ومنها أن ينال الجزاء هذه الأجزاء، و هذا غير متحتم لأن الكاسب المختار للطاعة أو المعصية، و المدرك لأثرها في الدنيا و المدرك للذة الجزاء أو ألمه في الآخرة هو الروح، و إنما البدن آلة لها، غاية الأمر أنه إذا كانت آلة الكسب هي آلة الجزاء كان ذلك أبلغ في كمال العدل فليكن من ذلك ما يمكن. و قد جاءت عدة نصوص تدل أن أبدان أهل الجنة و النار يكون بعض البدن منها أو كله من غير الأجزاء التي كانت منها في الدنيا، ففي (الصحيحين) في قصة الذين يخرجون من النار ((فيخرجون قد أمتحشوا و عادوا حمماً فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ….)) و جاءت عدة أحاديث أن أهل الجنة يكونون كلهم على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، راجعها في ((الباب التاسع و الثلاثين)) من (حادي الأرواح). و قال تبارك و تعالى في أهل النار [كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ]. النساء: 56.

و في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة قال،\: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ((ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) و قال تعالى: [وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] آل عمران:169.

و في (صحيح مسلم) من حديث أبن مسعود أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: أما أنا قد سألناه عن ذلك فقال: ((أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فأطلع إليهم ربهم أطلاعة ….)) أخرجه عن جماعة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود، و قد أخرجه ابن جرير في (تفسير) ج 4 ص 106 – 107 من طريق شعبة و من طريق سفيان الثوري كلاهما عن الأعمش بسنده أنهم سألوا عبد الله بن مسعود فقال: ((أرواح الشهداء ….)) فثبت سماع الأعمش لهذا الحديث من عبد الله بن مرة، لأن شعبة لا يروي عن الأعمش إلا ما علم أنه سماع للأعمش ممن سماه نص على ذلك أهل المصطلح غيرهم، (2) و كذلك أخرج هذا الحديث الدرامي ج 2 ص 206 من طريق شعبة، فأما عدم التصريح بالرفع فلا يضر لأن هذا ليس مما يقال بالرأي، مع ظهور الرفع في رواية مسلم.

و في (مسند أحمد) ج 1 ص 265، ((ثنا يعقوب ثنا أبي إسحاق حدثني إسماعيل ابن أمية بن عمروا بن سعيد عن ابن الزبير المكي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ((لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز و جل أرواحهم في أجواف طير خضر تردد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، و تأوي إلى قناديل من ذهب و ظل العرش، فلما و جدوا طيب مشربهم و مأكلهم و حسن منقلبهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ….)) أبو الزبير يدلس، (3)

وقد أخرج الحاكم في (المستدرك) ج 2 ص 297 الحديث من وجه آخر عن ابن إسحاق عن إسماعيل عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، زاد في السند ((سعيد بن جبير. و قال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم)) و أقره الذهبي.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015