الْخَامِس مَا يَتَغَيَّر بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِير مِثْل " وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت بِالْحَقِّ " فِي قِرَاءَة أَبِي بَكْر الصَّدِيق وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَزَيْن الْعَابِدِينَ " وَجَاءَتْ سَكْرَة الْحَقّ بِالْمَوْتِ ".
السَّادِس مَا يَتَغَيَّر بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَان كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير عَنْ اِبْنِ مَسْعُود وَأَبِي الدَّرْدَاء " وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَار إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى " هَذَا فِي النُّقْصَان، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَة فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب " فِي حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ، وَرَهْطك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ".
السَّابِع مَا يَتَغَيَّر بِإِبْدَالِ كَلِمَة بِكَلِمَةٍ تَرَادُفهَا مِثْل " الْعِهْن الْمَنْفُوش " فِي قِرَاءَة اِبْنِ مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر كَالصُّوفِ الْمَنْفُوش، وَهَذَا وَجْه حَسَن لَكِنْ اِسْتَبْعَدَهُ قَاسِمِ بْن ثَابِت فِي " الدَّلَائِل " لِكَوْنِ الرُّخْصَة فِي الْقِرَاءَات إِنَّمَا وَقَعَتْ وَأَكْثَرهمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَكْتُب وَلَا يَعْرِف الرَّسْم، وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحُرُوف بِمَخَارِجِهَا. قَالَ: وَأَمَّا مَا وُجِدَ مِنْ الْحُرُوف الْمُتَبَايِنَة الْمَخْرَج الْمُتَّفِقَة الصُّورَة مِثْل " نُنْشِرُهَا وَنُنْشِرُهَا " فَإِنَّ السَّبَب فِي ذَلِكَ تَقَارُب مَعَانِيهَا، وَاتَّفَقَ تَشَابُه صُورَتهَا فِي الْخَطّ.
قُلْت: وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ تَوْهِين مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْنُ قُتَيْبَة، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الِانْحِصَار الْمَذْكُور فِي ذَلِكَ وَقَعَ اِتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة مَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ أَبُو الْفَضْل الرَّازِيَُّ: الْكَلَام لَا يَخْرُج عَنْ سَبْعَة أَوْجُهٍ فِي الِاخْتِلَاف: الْأَوَّل اِخْتِلَاف الْأَسْمَاء مِنْ إِفْرَاد وَتَثْنِيَة وَجَمْع أَوْ تَذْكِير وَتَأْنِيث. الثَّانِي اِخْتِلَاف تَصْرِيف الْأَفْعَال مِنْ مَاضٍ وَمُضَارِع وَأَمْر، الثَّالِث وُجُوه الْإِعْرَاب، الرَّابِع النَّقْص وَالزِّيَادَة، الْخَامِس التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، السَّادِس الْإِبْدَال، السَّابِع اِخْتِلَاف اللُّغَات كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَة وَالتَّرْقِيق وَالتَّفْخِيم وَالْإِدْغَام وَالْإِظْهَار وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قُلْت: وَقَدْ أَخَذَ كَلَامِ اِبْنِ قُتَيْبَة وَنَقَّحَهُ. وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ السَّبْعَة الْأَحْرُف سَبْعَة أَصْنَاف مِنْ الْكَلَام، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَانَ الْكِتَاب الْأَوَّل يَنْزِل مِنْ بَابِ وَاحِد عَلَى حَرْف وَاحِد، وَنَزَلَ الْقُرْآن مِنْ سَبْعَة أَبْوَاب عَلَى سَبْعَة أَحْرُف: زَاجِر وَآمِر وَحَلَال وَحَرَام وَمُحْكَم وَمُتَشَابِه وَأَمْثَال، فَأَحِلُّوا حَلَاله وَحَرِّمُوا حَرَامه، وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَقُولُوا آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبِّنَا " أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره، قَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ: هَذَا حَدِيث لَا يَثْبُت، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ اِبْنِ مَسْعُود وَلَمْ يَلْقَ اِبْن مَسْعُود، وَقَدْ رَدَّهُ قَوْم مِنْ أَهْل النَّظَر مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن أَبِي، عِمْرَان.
.
¥