الأمر الثالث: أن هذا من قبيل المبهم والرواة معروفون عند ابن عدي، وابن عدي من أئمة الجرح والتعديل المعتد بقولهم وليس هو ممن عرف بالتساهل في هذا الباب وهو يعتبر من طبقة المعتدلين وكتابه الكامل من أجل الكتب والذي يدل على سعة علمه ودقته وتمكنه من هذا الفن، وقد ذكر فيه كثيراً من الثقات؛ لأنه التزم أن يذكر كل من تكلم فيه بضرب من الضعف حتى إنه ذكر بعض رجال الصحيحين لكنه ينتصر لذلك ما أمكن كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء، وهذا وإن لم يكن تعديلا بذاته إلا أنه إذ انضم إلى ما سبق وما سيأتي يقوي جانب التعديل.

الأمر الرابع: أن ابن عدي ذكر هذا عن جمع من شيوخه لا عن راو واحد وهذا يقوي الرواية وفي صحيح مسلم وغيره ذكر الرواية عن جمع كقول مسلم: حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان (وهو ابن بلال) عن يحيى بن سعيد عن أبي الرحال محمد بن عبدالرحمن أن أمه عمرة بنت عبدالرحمن قالت سمعت عائشة تقول: سمع رسول الله (ص) صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج رسول الله (ص) عليهما فقال (أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟) قال أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب) برقم (1557)

وقال: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو ابن عون أخبرنا خالد بن عبدالله عن عمرو بن يحيى عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب عن معمر بن أبي معمر أحد بني عدي ابن كعب قال قال رسول الله .. ) الحديث برقم (1605) وقد عد بعضهم هذا من قبيل المنقطع وليس بصحيح بل هو من قبيل المبهم الذي هو ضرب من الجهالة، وبعض ما يرويه مسلم من هذا الباب هو من طريق المتابعة والاستشهاد، والكلام على رأي مسلم في هذا الباب وتعقيبات المحدثين يطول.

وينظر: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح (ص 77) حول هذه الأحاديث.

والمقصود أن رواية الجمع في مثل هذا تقوي الإسناد، وكثيرا ما يختصر ذلك الأئمة عند شهرة الرواية أو معرفة الرواة أو كثرتهم كقول بعضهم:حدثني أصحاب ابن مسعود وحدثني أصحاب معاذ و حدثني أصحاب هذا الحي وحدثني غير واحد ونحو ذلك.

الأمر الخامس: أن هذه القصة لا يتعلق بها حكم شرعي وأهل العلم لا يشددون في باب السير والتراجم تشددهم في باب الأحكام والحلال والحرام.

الأمر السادس: أن مثل هذا الامتحان قد حصل مع غير البخاري من الأئمة مما يدل على أنه طريقة يصنعها بعض المحدثين:

1 - فقد فعله ابن معين مع أبي نعيم بحضور أحمد بن حنبل:

(قال أحمد بن منصور الرمادي خرجت مع احمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق خادما لهما فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل أريد اختبر أبا نعيم فقال له احمد بن حنبل لا تريد الرجل ثقة فقال يحيى بن معين لا بد لي فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على راس كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ثم جاءا إلى أبي نعيم فدقا عليه الباب فخرج جلس على دكان طين حذاء بابه وأخذ احمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه وأخذ يحيى بن معين فأجلسه عن يساره ثم جلست أسفل الدكان فاخرج يحيى بن معين الطبق فقرا عليه عشرة أحاديث وأبو نعيم ساكت ثم قرأ الحادي عشر فقال له أبو نعيم ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرا العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني فقال أبو نعيم ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرا العشر الثالث وقرأ الحديث الثالث فتغير أبو نعيم وانقلبت عيناه ثم اقبل على يحيى بن معين فقال له اما هذا وذراع احمد في يده فاورع من ان يعمل مثل هذا واما هذا يريدني فاقل من ان يفعل مثل هذا ولكن هذا من فعلك يا فاعل ثم اخرج رجله فرفس يحيى بن معين فرمى به من الدكان وقام فدخل داره فقال احمد ليحيى الم امنعك من الرجل واقل لك انه ثبت قال والله لرفسته لي أحب الي من سفري)

ينظر: تاريخ بغداد (12/ 353 - 354).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015