وإن جرينا على مثل هذا المنوال، وعكسنا قاعدتهم السابقة، فيحق للترمذي أن يكون متشددا في التصحيح، لأنه –وفي عدد كثير- يحسن أحاديث في الصحيحين أو أحدهما!! بل وجدته قال عن حديث في الصحيحين كليهما، قال: "غريب" وعن غير حديث في أحدهما قال أيضا: "غريب"!!!
والمعروف أن الترمذي إذا قال: "غريب"، ولم يقرنه بصحة أو حسن، فإنه يعني به تضعيف ذلك الحديث. وذلك هو ما ذكره مغلطاي بن قليج الحافظ علاء الدين المصري (ت762) في كتابه (الإعلام بسنته عليه السلام شرح سنن ابن ماجه). وحققه أيضا الدكتور نور الدين عتر في كتابه: (الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين).
وعلى هذا: فهل يكون الترمذي متشددا في التصحيح أيضا؟! فيكون بذلك متشددا متساهلا؟!!
وقد دافع الدكتور نور الدين عتر في كتابه السابق ذكره، عن اتهام الترمذي بالتساهل فأحسن الدفاع عن الترمذي، وطول في ذلك. لكنه لم يذكر ما سبق، مما يصلح أن يكون دليلا على تشدد الترمذي عن من ندفع قولهم بتساهله!) المرسل الخفي 1/ 312
ويقول حفظه الله:
(وزاد الذهبي عليه فوائد، حيث قال في (الموقظة): "الثقة من وثقه كثير ولم يضعف، ودونه: من لم يوثق ولا ضعف، فإن خرج حديث هذا في (الصحيحين) فهو موثق بذلك، وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة، فجيد أيضا، وإن صحح له كالدارطني والحاكم، فأقل أحواله: حسن حديثه".
ثم تكلم الذهبي –رحمه الله-كلاما نفيسا على ما نستفيده من تخريج صاحبي الصحيح في الحكم على الراوي، على تفصيل تخريجهما له، إن كان في الأصول، أو الشواهد والمتابعات، وإن كان ممن تكلم فيه من متعنت، أو منصف، أو لم يتكلم فيه، ففصل رحمه الله وأبدع! لكن ما سبق يكفيني هنا.
ومن أهم ما جاء في كلام الإمام الذهبي تنصيصه على الترمذي، وأن من صحح له فإنه (ثقة)، أو كما عبر هو (جيد).
ثم إن هذا ينسف ما سبق أن ذكرناه من اتهام الترمذي بالتساهل، حيث إن الإمام الذهبي هو أعظم من وصف الترمذي بذلك، فتمسك به المتمسكون من غير موازنة كلام الذهبي ببعضه، بل أخذوا بعض كلام الذهبي، فردوا به تصحيح الترمذي جملة وتفصيلا!!
وقد وجدت لأبي الحسن ابن القطان تطيبقا عمليا لهذه الطريقة في معرفة الثقات حيث قال في (بيان الوهم والإيهام): "وحبيب بن سليم العبسي قد روى عنه وكيع وعيسى بن يونس وأبو نعيم قاله أبو حاتم ولم يزد وأرى أن الترمذي وثقه بتصحيح حديثه".
وفي موطن آخر، ذكر ابن القطان حديثا صححه الترمذي، وفي إسناده من جُهِّل، فقال متعقبا: "وزينب كذلك ثقة، وفي تصحيح الترمذي إياه-يعن الحديث-توثيقها، وتوثيق سعد بن إسحاق ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد") المرسل الخفي 1/ 314.
وعلى ملتقى أهل الحديث كلام كثير حول هذه المسائل
ـ[أبو عثمان السلفي]ــــــــ[18 - Oct-2007, صباحاً 09:05]ـ
الضياء المقدسي
قال الشيخ عبدالعزيز التخيفي (د: 62) بعد كلامه على الحاكم: «كذلك المختارة للضياء المقدسي أحاديثه مستقيمة وقوية غالباً».
قال الألباني متعقباً حديثاً ضعيفاً في «المختارة»: «وإنما تكلمت عليه هنا لكيلا يغتر أحد بإخراج الضياء له في «المختارة»؛ فإن ذلك من تساهله الذي تبين لي من طول ممارستي لكتابه، وتخريج أحاديثه، حتى كاد يصير عندي قريباً من الحاكم في التساهل وتصحيح الأحاديث الضعيفة؛ بل هو في ذلك كابن حبان؛ فإنه يغلب عليهما تصحيح أحاديث المجهولين!!». [«السلسلة الضعيفة» (12/ 797)]
وقال عن حديث ضعيف في «المختارة»: «فإيراد الضياء له في «المختارة» لا يجعله عندنا من الأحاديث المختارة, بل هذا يؤيد ما ذكرته مراراً من أن شرطه في هذا الكتاب قائم على كثير من التساهل من الإغضاء عن جهالة الرواة تارة, وعن ضعفهم تارة أخرى». [«السلسلة الضعيفة» (2/ 128)، وانظر (3/ 405)، و «ضعيف سنن أبي داود» (9/ 293)]
وسَأل الدكتور الفاضل عبدالرحمن الفريوائي –حفظه الله- الشيخَ الإمام الألباني –رحمه الله- عن قول شيخ الإسلام في «المختارة» للضياء المقدسي؛ مِثل قوله: «هو خير من صحيح الحاكم»، و «هو أصح مِن صحيح الحاكم» وغير ذلك، قال: «ولما كان للشيخ الألباني –حفظه الله- فضل التخصص في الحديث وعلومه، وكان الكتاب مِن مراجعه المهمة، بل عكف على تحقيقه، وتخريج أحاديثه، والحكم عليها في ضوء دراسته الخاصة، طلبتُ منه رأيه فيما قاله شيخ الإسلام في هذا الباب؛ فأجاب –حفظه الله- ما لفظه:
إن كلام شيخ الإسلام سليمٌ مِن وجه تقريباً مِن حيث خلوه مِن أحاديثَ موضوعة، ومِن رواة وضاعين وكذابين، لكنه متساهل كالحاكم في اختياره لأحاديث المجهولين واعتماده عليها، وهذا قسم كبير جداً في الأحاديث المختارة، فإذاً بذاك الاعتبار كلام سليم، لكن كلام شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية لا ينبغي أن يفهم على أن الكتاب موصوف بثبوت، ولا أقول بصحة أحاديثه؛ لأن كلمة ثبوت كما تعلمون تشمل الصحيح والحسن، فيوجد كثير من الأحاديث الضعيفة بسبب الجهالة، وبعضها بسبب ضعف بعض رواة أسانيد الكتاب، أو أسانيد الأحاديث، هذا رأيي فيما سألت». [«شيخ الإسلام وجهوده في الحديث وعلومه» (1/ 574 - 575)]
تنبيه:
فضيلة الشيخ التخيفي –سدده الله- يعتبر الحاكم، وابن حبان، وابن خزيمة، والمقدسي و ... و .... مِن المتأخرين، ثُمَّ يُرجّح أحكامهم الحديثية؛ ففي أيّ اعتبار قَبِلَها وهي تسير على منهج خالف المتقدّمين؟!
أم ... ؟!
يتبع -بمشيئة الله-.
¥