وهذا اجتهاد منه، خالفه فيه الجمهور، ولكن قوله هذا ليس بحد ذاك من الضعف، بل في قوله هذا قوة خصوصاً في التابعين بل إن ابن القيم ـ رحمه الله ـ قال: (المجهول إذا عدله الراوي عنه الثقة ثبتت عدالته وإن كان واحداً على أصح القولين) (ـ زاد المعاد ((5/ 456))

وأكثر المعاصرين شنع عليه من جهة هذه المسألة فقط، فلا يكاد يمر ذكر ابن حبان في كتبهم إلا ويوصف بأنه من المتساهلين في التصحيح فلا يعتمد عليه والأولى على منهجهم تقييد تساهله في هذه المسألة لا أنه يعمم وتهضم مكانة الرجل العلمية حتى جر ذلك إلى طرح قراءة كتبه، وخاض في ذلك من يحسن ومن لا يحسن دون بحث وتروي.

4ـ أن يروي عن الراوي اثنان فصاعداً ولا يأتي بما ينكر من حديثه فيخرج له ابن حبان في ثقاته وهذا لا عتب عليه فيه لأنه هو الصواب.

مع العلم أن العلماء اختلفوا في ذلك على أقوال:

1 - القبول مطلقاً (وهو الراجح). 2 - الرد مطلقاً. 3 - التفصيل.

والصواب الأول بشرط أن لا يأتي بما ينكر عليه.

ورجحناه لوجوه:

1ـ أن رواية اثنين فصاعداً تنفي الجهالة على القول الصحيح وقد نص على ذلك ابن القيم (زاد المعاد ((5/ 38))، وذكره الإمام الدار قطني في سننه ((3/ 174)) عن أهل العلم.

2ـ أنه لم يأتي بما ينكر من حديثه فلا داعي لطرح حديثه بل طرح حديثه في هذه الحالة تحكم بغير دليل.

3ـ أن الإمامين الجليلين الجهبذين الخريتين البخاري ومسلماً قد خرجا في صحيحهما لمن كانت هذه صفته (وأيضاً مما يؤكد أن الراوي إّا روى عنه اثنان ولم يأت بما ينكر من حديثه أنه حجة (اتفاق الحديث على تصحيح حديث حميده بن عبيد بن رفاعة في حديث الهرة انظر عون المعبود ((1/ 140))

مثاله:

ـ (جعفر بن أبي ثور) الراوي عن جابر بن سمرة: (الوضوء من أكل لحوم الإبل) هذا الحديث أخرجه مسلم وتلقته الأمة بالقبول حتى قال ابن خزيمة: لا أعلم خلافاً بين العلماء في قبوله.

مع أن فيه جعفر بن أبي ثور لم يوثقه أحد إلا ابن حبان، ولكنه لكا لم يأتي بما ينكر من حديثه

وروى عنه اثنان فصاعداً قبل العلماء حديثه، وممن روى عنه: عثمان بن عبدالله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء وسماك بن حرب.

(أبو سعيد مولى عبدالله بن عامر بن كريز) الراوي عن أبي هريرة حديث: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا … .. الحديث في مسلم).

أبو سعيد أخرج له مسلم في صحيحه مع العلم أنه لم يوثقه إلا ابن حبان ولكنه لم يرو عنه إلا الثقات ولم يأت بما ينكر.

احتمل العلماء حديثه وقد روى عنه داود بن قيس والعلاء بن عبدالرحمن ومحمد بن عجلان وغيرهم.

وفي الصحيحين من هذا الضرب شئ كثير جداً.

حتى قال الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزيادي: ((قال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته.

قال الذهبي: يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة.

وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمت أن أحداً نص على توثيقهم، والجمهور على أنه من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح)).

تمت والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

هذا آخر ما أملاه شيخنا

أبو عبدالله

سليمان بن ناصر العلوان

بريدة ـ صباح الثلاثاء ـ

14/محرم / 1413هـ

***************

وقفة مع من وصف الإمام الترمذي بالتساهل في التصحيح والتحسين للشريف العوني

يقول الشيخ حاتم الشريف حفظه الله:

(فالوقفة الأولى مع منهج الترمذي في التصحيح والتحسين، واتهامه بالتساهل، ثم بعدم الاعتماد عليه في ذلك!

قلت: فهذه المقالة نسيت مكانة الترمذي بين جهابذة المحدثين ونقاده، وغفلت عن تباين اجتهادات المحدثين في التصحيح والتضعيف ... أحيانا، وأن الاختلاف في ذلك لا يدل على تساهل المصحح أو تشدد المضعف، ما دام أن الأمر اجتهاد ممن له حق الاجتهاد، على أسس وأصول متفق عليها، تختلف النتائج عليها، بسبب تفاوت العلم بكل جزئية، لا بسبب التساهل والتشدد.

لذلك فإن تصحيح الترمذي أو تحسينه لأحاديث رواة خالفه فيهم جمع من الحفاظ بتضعيف أحاديثهم، لا يصح أن يكون دليلا على تساهله. وإلا لما نجا من هذا الاستدلال على التساهل أحد يذكر من نقاد الحديث، إذ لا يخلو أن يوثق العالم منهم راويا ويصحح أحاديثه، بينما يخالفه في ذلك بالتضعيف غيره، ويكون الصواب مع من ضعفه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015