أسباب انتشار رواية حفص عن عاصم

ـ[يسري حسين سعد]ــــــــ[02 - Mar-2008, مساء 01:04]ـ

الحمد لله الكريم المنان, سابغ النعم والإحسان, رحيم بأوليائه, يخرجهم من الظلمات إلى النور, ويهديهم إلى سواء السبيل. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

فلقد اشتهر في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة عنيت بحفظ القرآن الكريم وإقرائه، ولما وقع الخلاف على ما يحتمله رسم المصحف العثماني - من التشكيل والإمالة والإدغام والهمز والنقل, وغيرها من القراءات, وتمسك القراء بما أخذوه بالتلقي - أجمع أهل العلم على اختيار قارئ مشهور بالثقة والأمانة في النقل من كل مصر للأخذ عنه, بشرط التواتر، وموافقة رسم المصحف العثماني، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه.

وكانت قراءات الأئمة السبعة قد اشتهرت على رأس المائتين في الأمصار, وفي أوائل المائة الثالثة من الهجرة في بغداد جمع ابن مجاهد قراءات أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة؛ على قراءة القراء السبعة، ثم أضيفت القراءات الثلاث؛ قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف, واختير أربعة قراءات من الشواذ، وأُلفت الكتب الكثيرة في القراءات, حتى وصل الحال إلى اختيار قراءات الأئمة العشرة ورواتهم المشهورة, وجرى العمل على ذلك إلى يومنا هذا، وأصبحت الآن تؤخذ بالتلقي والإقراء بموجب متن الشاطبية، والدرة, وطيبة النشر.

وثمة أسباب لانتشار رواية حفص عن عاصم الكوفي منها:

1 – عدم وجوب القراءة بكل القراءات؛ قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}. وجاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فاقرؤوا منه ما تَيَسَّرَ". وعند مسلم قال جِبْرِيلُ عليه السَّلام للنبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ, فَأَيُّمَا حَرْفٍ قرأوا عليه فَقَدْ أَصَابُوا". وهذا يفيد اختيار الأيسر, ويفيد عدم وجوب القراءة بكل الروايات, ولو كان واجبًا لوقع الاهتمام الشديد بكل الروايات, وكان لها الانتشار كرواية حفص أو أشد.

فهذا سبب قوي يفضي إلى ترك القراءة التي فيها أعمال كثيرة للغالبية من الناس؛ إلا من كانت عنده الهمة والرغبة في تعلم القراءات والقراءة والإقراء بها, وهم كُثر ولله الحمد والمنة, حتى زاد في هذا العصر الاهتمام بهذا العلم الجليل, وإني لأذكر أنه كان في كل أرض مصر معهد واحد لتدريس القراءات, والآن في كل محافظة معهد لتعليم القراءات.

ولما كانت قراءة حفص من السهولة واليسر بمكان – كما سيأتي تفصيله في السبب الرابع – لا جرم كَثُر إقبال الناس عليها تلاوة وحفظًا وتعليمًا.

2 - اشتهرت روايته عن عاصم بن أبي النجود في الكوفة، وكانت دار الخلافة حينئذ, يفد إليها العلماء وطلاب العلم, وكان حفص متفرغًا للإقراء عن غيره من القراء, ولما انتقلت الخلافة إلى بغداد انتقل حفص إليها, وأيضًا جاور بمكة وأقرأ بها, ومكة محل التقاء لعلماء العالم الإسلامي. ودار الخلافة بغداد كانت محط العلماء والمتعلمين, وكَثُر فيها الناس لوفرة العيش فيها؛ فاشتهرت روايته في بغداد أيضًا, وكثر عدد الآخذين لرواية حفص, ومن ثم انتشرت في سائر البلدان, وخاصة بلاد المشرق, وكان السائد في بلاد المغرب قراءة ورش وأبي عمرو.

3 – إتقان حفص لروايته عن عاصم, وقوة سنده من الأسباب المهمة في انتشار روايته؛ إذ يقول الشاطبي:

فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ اسْمُهُ فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلاَ

وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلاَ

وذلك أن حفصًا – وكنيته: أبو بكر - كان ابن زوجة شيخه عاصم بن أبي النجود, وكان معه في دار واحدة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015