ومن خصائص المتقدمين التي تميز حديثهم عن المتأخرين أذكر لكم بعض [ ... ] حتى يتميز لك هذا الموضوع، فمن الأمور التي يتميز المتقدمين عن المتأخرين: أن معرفتهم بالسنة متوناً وأسانيد ورواة وعللاً وطرق فوق المتأخرين [ ... ]، ومن ذلك –أيضاً- أن شيوخهم الذين أخذوا عنهم المرويات -من الطبقة التي قبلهم- أقدم وأحفظ من شيوخ المتأخرين، وأسانيدهم -غالباً- المتأخرون نازلة، أسانيدهم طويلة نازلة، بينما أسانيد المتقدمين -غالباً- عالية، وكلما كان السند عالياً كان مظنة لحفظه .. وإتقانه، بخلاف الأسانيد النازلة مظنة أن يقع فيها الخلل، .. المتأخرين حفاظ كبار، وأعلام، مثل: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم بن عبدالله صاحب «المستدرك»، ومثل ضياء المقدسي صاحب «المختارة»، هؤلاء لهم مؤلفات، ولهم دواوين، وهم متبحرون في السنة، أبو حاتم، محمد بن حبان البستي ... ، وغيرهم من أمثالهم هؤلاء لهم معرفة، ولهم حفظ ولهم دراية، وهم أئمة كبار، ومعرفتهم واسعة لكن الأمور ليست [ .... ] المتقدم.

أولاً: ابن حبان والحاكم صاروا يتوسعون في أمور العدالة، وأوصاف الرواة، فابن حبان ... » إلخ.

وسيأتي الكلام على الحاكم وابن حبان –هذا أولاً-، وثانياً: لم ننبّه على الأخطاء اللغويّة!! وما أكثرها!

فائدة: قد يظن البعض أن جميع الأحاديث قد حُكِمَ عليها صحة وضعفاً، والأمر ليس كذلك كما لا يخفى على طلبة العلم –وقد يَخفى! -، وقد ذَكر الشيخ الألباني حديثاً ضعيفاً في «السلسلة الضعيفة» (2/ 427)، كان مِن دواعي تخريجه له وبيان علته أنه قال: «ففي هذه الحديث -ومثله كثير- لأكبر دليل على جهل مَن يزعم أنه ما مِن حديث إلا وتكلم عليه المحدثون تصحيحاً وتضعيفاً!».

فائدة أخرى: وقال –رحمه الله- بعد استدراكاته على بعض الأئمة-: « ... مصداقاً لقول القائل: «كم ترك الأول للآخر» , ورداً على بعض [المقلدة] المغرورين القائلين: إن علم الحديث قد نضج بل واحترق. هداهم الله سواء السبيل». [«السلسلة الضعيفة» (3/ 160) و (12/ 511)]

فائدة منهجية: وقال –أيضاً- في المصدر السابق (3/ 180): « ... فتأمل كيف يقع الخطأ مِن الفرد, ثم يغفل عنه الجماعة ويتتابعون وهم لا يشعرون, ذلك ليصدق قول القائل: «كم ترك الأول للآخر» , ويظل البحث العلمي مستمراً، ولولا ذلك لجمدت القرائح, وانقطع الخير عن الأمة».

أما ما قاله فضيلة الشيخ التخيفي -عن اتساع المرويات- (د:24): «ثم بعد ذلك في (عهد متأخر) من نفس عهد المتقدمين رأوا أن الموضوع ليس هكذا، أن هناك مجموعات حديثية في الأمصار كثيرة، مجموعات مرويات ألوف الأحاديث ليس يسعهم أن يهملوها ... بل لا بد من جمعها مع تمحيصها وفحصها؛ لأنهم لو أهملوها سوف تنتشر ويعمل الناس بالحديث الضعيف ويعملون بالباطل، فلم يروا أن يسعهم أن يهملوا هذه المرويات الكثيرة، وهكذا فعل سفيان الثوري، وهكذا فعل الأعمش، وهكذا فعل الذين جمعوا المرويات بكثرة، ثم بعد ذلك معمر بن راشد الأزدي ثم ابن المبارك ... »، فيحتاج إلى نظر إذا قصد أن علم الحديث نضج واحترق! وأن الحُكْمَ على الأحاديث مُعلّبٌ جاهز!!

وقد نبتت -في هذا العصر- نابتة (!) تدعو إلى الإلتزام بقبول ما صحَّحه المتقدمون، وتضعيف ما ضعّفوه؛ دون مناقشة، ومِن غير جدال –تسليماً مُطلقاً-!!

وثمرةُ هذا –ولا بُدَّ- الاقتصار على تصحيحاتهم وتضعيفاتهم، وسدّ باب الاجتهاد المنضبط في هذا!!

وإلا؛ فما مصير الأحاديث والآثار التي لم يحكم عليها أولئك الأئمة المتقدمون؟!

وكيف سيحكم هؤلاء المعاصرون –ولا أقول: المتأخرون! - عليها؟!

والرّد عليهم بالتفصيل ليس هذا موضعه –الآن-؛ ولكن أكتفي بـ (هامش) علمي كتبه الإمام الألباني قبل (60سنة) عام (1368هـ = 1947م)، في ردِّ قولٍ للحافظ ابن الصلاح لم يحالفه الصواب فيه؛ فقال الألباني:

«في هذا الكلام إشارة إلى ما نقله العراقي وغيره عنه -أعني: ابن الصلاح- أنه لا يجوز للمتأخرين الإقدام على الحكم بصحة حديث لم يصححه أحد مِن المتقدمين؛ لأن هذا اجتهاد؛ وهو -بزعمه- قد انقطع منذ قرون، كما زعموا مثل ذلك في الفقه -أيضاً! -.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015