فللعلماء أجوبة عن ذلك، أما أن يكون غريب بالنسبة لهذا الراوي، وأنه روي عن غيره، غريب بهذا اللفظ وإن روي بألفاظٍ أخرى إلى أقوال كثيرة، كل هذا لتوجيه كلام الترمذي، وعدم إهداره، وإلا فما قعّده لا ينطبق على جامعه، وما حكم عليه من الأحاديث الحسان.

القسم الثاني: يقول: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان -يعني خف ضبطه- ولا يعدّ ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، وعلى هذا يتنزّل كلام الخطابي" وهو قريب من قولهم: حسن لذاته.

وقال: بان لي بإمعان النظر

قسماً وزاد كونه ما عللا

أن له قسمين كل قد ذكر

ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا

فكلام الخطابي يتنزل على الحسن لذاته، وكلام الترمذي يتنزل على الحسن لغيره، على أنه استقر عند المتأخرين تعريف الحسن لذاته بأنه: ما رواه عدل حف ضبطه بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، والحسن لغيره: هو الضعيف على ما سيأتي في حده القابل للانجبار إذا تعددت طرقه.

ابن جماعة له تعريف في (المنهل الروي) كأنه يريد أن يجمع قسمي الحسن في حدٍ واحد، يرى أنه جامع مانع يقول: "ما اتصل سنده وانتفت علله، في سنده مستور له به شاهد أو مشهور غير متقن" مستور له شاهد حسن لغيره، مشهور غير متقن يعني خفّ ضبطه فنزل عن درجة الحفظ والضبط والإتقان، ويدخل في هذا الحسن لذاته.

قال الشيخ أبو عمر: "لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث ((الأذنان من الرأس)) " يعني أنه ليس كل حديث ضعيف يمكن أن يرتقي إلى درجة الحسن؛ لأن من الضعف ما يقبل الانجبار، ومنه ما لا يقبل الانجبار، فأحاديث الكذابين هؤلاء مهما بلغ عددهم لا ترتقي بل لا يزداد إلا سوءً، إذا كان الخبر متداول على ألسنة الكذابين ولو كثر، المتهمين بالكذب، يعني من اشتد ضعفهم لا ترتقي أحاديثهم ولا تنجبر، حديث: ((الأذنان من الرأس)) لا يرتقي، ولو روي من طرق، حديث: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) لا ينجبر وإن كثرت طرقه، وعمل به بعض أهل العلم.

يقول: "لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات" يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين أو المتروكين، "ومنه ضعف يزول بالمتابعة، لا سيما إذا كان راويه سيء الحفظ" ضعف الراوي ناشئاً عن خفة ضبطه، إذا كان الضعف ناتج عن سوء الحفظ، "أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذٍ وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" وهذه مسألة مهمة، الضعيف القابل للانجبار إذا جاء من طريق آخر مثله يرتقي إلى الحسن لغيره، لو جاء من طريق ثالث ورابع وخامس وسادس كلها ضعيفة بمقابل الانجبار يرتقي درجة واحدة إلى الحسن لغيره؟ أو إلى الصحة؟ وإذا روي الحديث الضعيف بسندٍ قابل للانجبار وله شواهد تقويه صحيحة أو له متابعات صحيحة يرتقي وإلا ما يرتقي؟ يرتقي، لكن إلى الحسن؟ يرتقي درجة واحدة أو أكثر؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: أنه ضعيف لا يرتقي إلا إلى الحسن لغيره، مهما كانت متابعته وشواهده، ولو كانت في الصحيح.

وهذه لفتة لطيفة من الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، يقول: "ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" أكثر من يزاول التخريج ودراسة الأسانيد لا يرقي الحديث أكثر من درجة، لو قلنا: أن هذا صنيع الأكثر ما بعد؛ لكن هل يرتقي الضعيف إلى الصحيح؟ فيتجاوز أكثر من درجة؟ أقول: إذا كان الشاهد صحيح، أو المتابع في الصحيح إيش المانع؟ لأن المقصود الحكم على المتن، المراد الحكم على المتن، لأنك حكمت على هذا الإسناد بأنه ضعيف، وارتقى بشواهده ومتابعاته الصحيحة إلى الصحيح، فالمتن محفوظ صحيح.

إذا روي الضعيف شديد الضعف من طرق كثيرة ومتباينة، وجزمنا بأنهم لم يتواطئوا ولم يتفقوا على تلقي هذا الخبر مثلاً، أو يكون مصدرهم واحد، نقل الخبر من طريق رواته ضعاف شديدي الضعف، لكن طرقهم متباينة، لا شك أن الكذاب قد يصدق، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((صدقك وهو كذوب)) فهل نستطيع أن نرقي الحديث شديد الضعف إلى الحسن بتعدد طرقه، طرق متباينة جاءت من جهات؟ الجمهور لا، طريقة السيوطي وأشار إليها في ألفيته أنه يمكن، إيش المانع؟ حتى قال:

وربما يكون كالذي بذي

.............................. ....................

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015