ـ[مكاوي]ــــــــ[16 - Jan-2008, مساء 04:54]ـ
قرأت في مجلة البيان مقالا حول منهج قرآني في التعامل مع أخطاء المجاهدين. فأحببت كتابته هنا عل الله أن ينفع به.
"بداية نقصد بالمجاهدين هنا أولئك الذين قاموا بأداء فريضة العين، وذلك بجهاد الدفع عن البلاد التي غزاها الكفرة واحتلوها، كما هو الحال في أفغانستان والعراق والشيشان وفلسطين".
إن الفتن العظيمة التي تموج اليوم في واقعنا المعاصر لتفرض على المسلم أن يكون حذرا يقظا متأنيا في أقواله وأفعاله ومواقفه، سائلا ربه عز وجل الهداية للحق والبصيرة في الدين وتدبر كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والاستضاءة بهما في خضم هذه الفتن التي تموج كموج البحر.
ومن هذه الفتن التي ظهرت في الآونة الأخيرة تلك المواقف المتباينة إزاء أخطاء بعض المجاهدين في الثغور، ما بين مبرر لها ومدافع عنها، وكأنه يدعي العصمة للمجاهدين، وما بين موقف مستعجلة من بعض الدعاة إزاء هذه الأخطاء لم يراعوا فيها التثبت أو لم يراعوا فيها مآلات أقوالهم وما يترتب عليها من المفاسد، ودون انتباه لما يقوم به العدو المتربص كافرا كان أو منافقا من توظيف لأقوالهم هذه في تبرير ضربهم للمجاهدين أو الشماتة بهم.
ولذا يتعين على كل من أراد لنفسه السلامة من الزلل والسقوط في الفتن أن يترسم القرآن الكريم ويتدبره ويجعله منطلق آيات كريمة عظيمة ترسم لنا المنهج الحق العدل في التعامل مع أخطاء المجاهدين، ووضعها في حجمها الطبيعي دون أن يوظفها العدو في صالحه، ومن هذه الآيات قول الله عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وقبل أن نقف عند الدروس من هذه الآية وما فيها من منهج حاسم في التعامل مع أخطاء المجاهدين وأعداء المجاهدين، يحسن بنا أن نقف على سبب نزولها كما جاء في كتب التفسير.
فقد جاء في روايات متعددة أنها نزلت في سرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه مع ثمانية من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار ومعه كتاب مغلق، وأمره ألا يفتحه حتى يمضي ليلتين، فلما فتحه وجد به: (إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بطن نخلة –بين مكة والطائف- ترصد لنا قريشا وتعلم لنا من أخبارهم، ولا تُكرهنّ أحدا على السير معك من أصحابك). وكان هذا قبل غزوة بدر الكبرى، فلما نظر عبدالله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة. ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى بطن نخلة أرصد قريشا حتى آتيه منها بخبر، وقد نهى أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأنا ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه ولم يتخلف أحد منهم، فسلك الطريق على الحجاز، حتى إذا كان ببعض الطريق ضل بعير لسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما، فتخلفا عن رهط عبدالله بن جحش ليبحثا عن البعير ومضى الستة الباقون، حتى إذا كانت السرية ببطن نخلة مرت عير لقريش تحمل تجارة فيها عمرو بن الحضرمي وثلاثة آخرون، فقتلت السرية عمراً بن الحضرمي وأسرت اثنين وفر الرابع وغنمت العير، وكانت تحسب أنها في اليوم الأخير من جمادى الآخرة؛ فإذا هي في الأول من رجب، وقد دخلت الأشهر الحرم التي تعظمها العرب، وقد عظمها الإسلام وأقرر حرمتها، فلما قدمت السرية بالعير والأسيرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام). فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا.
¥