و من معاني اللطيف , أنه الذي يلطف بعبده و وليه , فيسوق إليه البر و الإحسان من حيث لا يشعر , و يعصمه من الشر من حيث لا يحتسب , و يرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال , حتى إنه يذيقه المكاره , ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة , و المقامات النبيلة. قال الغزالي: إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور و غوامضها , و ما لطف منها , ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق , دون العنف , و الخبير هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة , فلا تتحرك في الملك و الملكوت ذرة , و لا تسكن أو تضطرب نفس , إلا و عنده خبرها , و هو بمعنى العليم.
يتبع ....
ـ[عبدالحي]ــــــــ[02 - عز وجلec-2009, مساء 08:54]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة الملك
لما ذكر الله تعالى حالة الأشقياء الفجار , ذكر حالة السعداء الأبرار , فقال:
(إن الذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير) إن الذين يخافون الله تعالى في جميع أحوالهم - حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا هو سبحانه و تعالى , فإنهم لا يقدمون على معاصيه , و لا يقصرون فيما أمر به - لهم مغفرة لذنوبهم , و إذا غفر الله ذنوبهم , و قاهم شرها , و وقاهم عذاب الجحيم. و لهم أجر كبير و هو ما أعده الله لهم في الجنة , من النعيم المقيم , و الملك الكبير , و اللذات المتواصلات و المشتهيات , و القصور و المنازل العاليات , و الحور الحسان , و الخدم و الولدان. و أعظم من ذلك و أكبر رضا الرحمن , الذي يحله الله على أهل الجنان.
(و أسروا قولكم أو اجهروا به إنّه عليم بذات الصّدور) هذا إخبار من الله تعالى بسعة علمه , و شمول لطفه , فسواء جهرتم بالقول أو أخفيتموه عن الناس أو في الصدور , فإنه سبحانه و تعالى مطلع على ذلك , عالم به , لا يخفى عليه منها شيء. بل إن الجهر و السر عنده سواء.
(ألا يعلم من خلق) أي: كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم و هو الخالق لكم , فالخالق يعرف مخلوقه.
(و هو اللطيف الخبير) أي: اللطيف بعباده , الخبير بأعمالهم , حتى أدرك السرائر و الضمائر , و الخبايا و الخفايا و الغيوب.
و من معاني اللطيف , أنه الذي يلطف بعبده و وليه , فيسوق إليه البر و الإحسان من حيث لا يشعر , و يعصمه من الشر من حيث لا يحتسب , و يرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال , حتى إنه يذيقه المكاره , ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة , و المقامات النبيلة. قال الغزالي: إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور و غوامضها , و ما لطف منها , ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق , دون العنف , و الخبير هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة , فلا تتحرك في الملك و الملكوت ذرة , و لا تسكن أو تضطرب نفس , إلا و عنده خبرها , و هو بمعنى العليم.
يتبع ...
ـ[عبدالحي]ــــــــ[02 - عز وجلec-2009, مساء 08:56]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة الملك
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) أي: هو الذي سخر لكم الأرض فجعلها ساكنة لينة سهلة المسالك و سهلة للمشي و السير عليها , و أنبع فيها من العيون , و هيأ فيها من المنافع و مواضع الزروع و الثمار , حتى تدركوا منها كل ما تعلقت به حاجاتكم , من غرس و بناء و حرث , و طرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية و البلدان الشاسعة.
(فامشوا في مناكبها) فامشوا و سافروا حيث شئتم من أقطارها , و ترددوا في أقاليمها و أرجائها - شرقا و غربا - في طلب الرزق و أنواع المكاسب و التجارات.
(و كلوا من رزقه) أي: إلتمسوا من نعمه تعالى و كلوا من رزقه الذي خلق لكم. قال الشهاب: فالأكل و الرزق , أريد به طلب النعم مطلقا , و تحصيلها أكلا و غيره. قال: و أنت إذا تأملت نعيم الدنيا , و ما فيها , لم تجد شيئا منها على المرء غير ما أكله , و ما سواه متمم له , أو دافع للضرر عنه.
(و إليه النشور) أي: إليه سبحانه و تعالى المرجع يوم القيامة , فتبعثون بعد موتكم , و تحشرون إليه عز و جل , ليجازيكم بأعمالكم الحسنة و السيئة.
يتبع ...
ـ[عبدالحي]ــــــــ[05 - Jan-2010, مساء 07:16]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة الملك
(أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض) هذا تهديد و وعيد من الله تعالى لمن استمر في طغيانه و تعدِّيه , و عصيانه الموجب للنكال و حلول العقوبة. و معناه: أأمنتم عذاب من في السماء – و هو الله تعالى العليُّ الأعلى – أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها , فيغيبكم إلى أسفل سافلين.
و في هذا الإستفهام ينكر عليهم أمنهم من الخسوف بهم و هم قائمون على معاصي توجب لهم ذلك.
(فإذا هي تمور) أي تضطرب و تهتز هزا شديدا بكم , و ترتفع فوقكم , و تنقلب عليكم حتى تتلفكم و تهلككم.
(أم أمنتم مّن في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) أن يرسل عليكم ريحا عاصفا ترميكم بالحصباء الصغار فتهلككم. قال تعالى " أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبا ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا ".
و الإستفهام الذي في الآية هو إنكاري تعجبي , ينكر عليهم أمنهم من عذاب الله بإرسال حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط فتهلكهم كما أهلكتهم , إذ هم قائمين على تكذيبهم و شركهم و كفرهم.
(فستعلمون كيف نذير) قال ابن جرير: أي عاقبة نذيري لكم , إذا كذّبتم به , و رددتموه على رسولي.
(و لقد كذب الذين من قبلهم) و لقد كذب أقوام من الأمم السابقة و القرون الخالية – مع كونهم أشد منهم عددا و عُددا – رسلي حينما أنكروا عليهم الشرك و الكفر , فأهلكناهم.
(فكيف كان نكير) فانظروا كيف كان إنكار الله عليهم , عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الآخرة , فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم. قال القاضي: هو تسلية للرسول صلى الله عليه و سلم , و تهديد لقومه المشركين.
يتبع ...
¥