(فلا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون , إنّه لقول رسول كريم) أقسم الله تعالى لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه و صفاته , و ما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم – قال الرازي: و هذا القسم يعم جميع الأشياء على الشمول , لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر و غير مبصر , فشمل الخالق و الخلق , و الدنيا و الآخرة , و العالم العلويّ و السفليّ , و هكذا – إن القرآن كلامُه و وحيه و تنزيله على عبده و رسوله , الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة و أداء الأمانة , و هو محمد صلى الله عليه و سلم.

(و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون , و لا بقول كاهن قليلا ما تذكّرون) نزه الله رسوله الكريم عما رماه به أعداؤه , من أنه شاعر أو ساحر , و أن القرآن ليس من الشعر لمخالفته له نظما و معنى , و أنه أيضا ليس بكلام الكهان لملازمته للصدق و الحق و الهدى , و أن الذي حملهم على ذلك , عدم إيمانهم , و تذكرهم , فلو آمنوا و تذكروا , لعلموا ما ينفعهم و يضرهم.

(تنزيل من رب العالمين) هذا القرآن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم تنزيل من رب العالمين , لا يليق أن يكون قول البشر , بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به , و جلالة أوصافه , و كمال تربيته لعباده , و علوه فوق عباده.

(و لو تقول علينا بعض الأقاويل) لو كان محمد صلى الله عليه و سلم كما يزعمون مفتريا علينا , فزاد في الرسالة أو نقص منها , أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا , و ليس كذلك , لعاجلناه بالعقوبة , و لهذا قال:

(لأخذناه منه باليمين) قيل: معناه: لانتقمنا منه باليمين , لأنها أشد في البطش. و قيل: لأخذنا منه بيمينه. قال الزمخشري: المعنى لو ادّعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا , كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم , معاجلة بالسخط و الإنتقام. فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول , و هو أن يؤخذ بيده , و تضرب رقبته. و خص اليمين عن اليسار , لأن القاتل إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره , و إذا أراد أن يوقعه في جِيده , و أن يكفحه بالسيف , و هو أشد على المصبور , لنظره إلى السيف , أخذ بيمينه.

(ثم لقطعنا منه الوتين) قال ابن عباس: " و هو نياط القلب , و هو العرق الذي القلب معلق فيه ". إذا انقطع , مات الإنسان منه.

(فما منكم من أحد عنه حاجزين) أي: ليس أحد منكم يحجزنا عنه , و يحول بيننا و بين عقوبته , لو تقوَّل علينا.

و المعنى في هذا: بل هو صادق بار راشد , لأن الله عز و جل , مقرر له ما يبلغه عنه , مؤيد له بالمعجزات الباهرات و الدلالات القاطعات.

(و إنّه لتذكرة للمتقين) و إن القرآن عظة لمن يتقي عقاب الله بالإيمان به و حده , و ما نزل من عنده.

(و إنّا لنعلم أنّ منكم مّكذبين) مع هذا البيان و الوضوح , سيوجد منكم من يكذب بالقرآن. و هذا فيه تهديد و وعيد للمكذبين. فإنه سيعاقبهم على تكذيبهم بالعقوبة البليغة.

(و إنّه لحسرة على الكافرين) فإنهم لما كفروا به , و رأوا ما وعدهم به , تحسروا إذ لم يهتدوا به , و لم ينقادوا لأمره , ففاتهم الثواب , و حصلوا على أشد العذاب , و تقطعت بهم الأسباب.

(و إنّه لحق اليقين) أي – القرآن -: الخبر الصدق الحق الذي لا مرية فيه , و لا شك و لا ريب.

(فسبّح باسم ربك العظيم) أي: نزهه عما لا يليق بجلاله , و قدّسه بذكر أوصاف جلاله و جماله و كماله , و ادأب على الدعوة إليه وحده , و إلى ما أوحاه إليك. فالعاقبة لك , و لمن اتبعك من المؤمنين.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[08 - Mar-2009, صباحاً 10:43]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة القلم

مكية و آياتها اثنتان و خمسون آيه , و تعرف بسورة " ن "

(ن) هذا أحد الحروف المقطعة نحو ق , ص , حم , الله أعلم بمراده به.

(و القلم و ما يسطرون) يقسم الله تعالى بالقلم , و هو إسم جنس شامل للأقلام , التي يكتب بها أنواع العلوم , و يسطر بها المنثور , و المنظوم. و ذلك أن القلم و ما يسطرون به من أنواع الكلام , من آيات الله العظيمة , التي تستحق أن يقسم الله بها.

و قال آخرون: بل المراد ها هنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات و الأرضين بخمسين ألف عام , و أوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم.

(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) أي: لست , و لله الحمد , بمجنون , كما يقول الجهلة من قومك , و المكذبون بما جئتهم به من الهدى و الحق المبين. بل أنت قد مَنَّ الله عليك بالعقل الكامل , و الرأي الجزل , و الكلام الفصل , الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام , و سطره الأنام.

(و إنّ لك لأجرا غير ممنون) إن لك الأجر العظيم , و الثواب الجزيل الذي لا ينقطع و لا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق , و صبرك على أذاهم , ثم بسبب ما قدمه من أعمال صالحة , و أخلاق كريمة , و قدوة حسنة , و ما سنّه من طرق الخير , إذ من سنّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم الدين.

(و إنك لعلى خلق عظيم) قال ابن جرير: أي أدب عظيم , و ذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به , و هو الإسلام و شرائعه. قالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " رواه مسلم. فصار امتثال القرآن أمرا و نهيا , سجيةٌ له , و خلقا تطَبَّعَه , و ترك طبعه الجبِلِّي , فمهما أمره القرآن فعله , و مهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم , من الحياء و الكرم و الشجاعة , و الصفح و الحلم , و كل خلق جميل.

قال الرازي: و هذا كالتفسير لقوله " بنعمة ربّك " و الدلالة القاطعة على براءته مما رمي به , لأن الأخلاق الحميدة , و الأفعال المرضية , و الفصاحة التامة , و العقل الكامل , و البراءة من كل عيب , و الإتصاف بكل مكرمة , كانت ظاهرة منه , و إذا كانت ظاهرة و محسوسة فوجودها ينافي حصول الجنون. فكذب من أضافه إليه و ضل , بل هو الأحرى بأن يرمى بما قذف به.

و هذه الآيات الثلاث هي جواب القسم الذي جاء في أول السورة.

يتبع ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015