لقد بخست حق علماء شنقيط وجهودهم على مدى التاريخ، وأخطأت حين عينت شعبا بعينه، وأهل شنقيط قدموا علماء للشريعة يشار إليهم بالبنان، ولولا طول المقام لعرضتُ لك جملةً منهم، ولكن يكفي ذكر واحد منهم لا يختلف على علمه وفهمه وحفظه واستنباطه اثنان وهو العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - صاحب " أضواء البيان " المطبوع.
هذا العالم النحرير الذي رحل من شنقيط، واستقر به الحال في المدينة، ودرس على يديه جملة من علماء المملكة – رحم الله من مات منهم وحفظ من بقي حيا -، ودرّس في الجامعة الإسلامية، والمسجد النبوي، وكان عضوا في هيئة كبار العلماء، وشهد بفضله وسعة علمه القاصي والداني ممن عاصره، ودرس على يديه، فقد كان آية في الحفظ والفهم رحمه الله.
ولا أدري لماذا تجاهلته يا شيخ عائض؟!
وهناك أيضا صاحب كتاب " كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري " محمد الخضر بن عبد الله الشنقيطي، وهو في 14 مجلدا.
وهناك كتاب مهم أنصحك وغيرك بالاطلاع عليه: " السلفية وأعلامها في موريتانيا (شنقيط) " من تأليف الطيب بن عمر بن الحسين، والكتاب رسالة جامعية نوقشت في جامعة أم القرى، ومكث مؤلفها ثلاث سنوات.
وأنصحك يا شيخ عائض بسماع شريط " طلب العلم في الصحراء " للشيخ د. خالد السبت يصف فيها طريقة التدرج في طلب العلم في بلاد شنقيط، ووصفه لها جاء عن زيارة لتلك البلاد، ووقوف على الطريقة بنفسه، وكما قيل: " من رأيى ليس كمن سمع "، وهذا رابطه:
http://islamway.net/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=10035
خامسا: ثم سقطت سقطة أخرى تدل على تسرعك مع احترامي عندما قلت: " وأعتقد أن الواحد منهم يحفظ أضعاف ما يحفظ الشيخ الألباني والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ولكن انظر البون الشاسع بين فهم هذين الإمامين وكتبهما ومدارسهما وبين عطاء أولئك الفضلاء ونتاجهم ".
يا شيخ عائض إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!
من ذكرتهم الشيخ السعدي والألباني درسا على علماء شناقطة، فالشيخ السعدي من مشايخه الشيخ محمد الأمين محمود الشنقطي لما قدم عنيزه وجلس فيها للتدريس قرأ عليه المؤلف في التفسير والحديث وعلوم العربية، كالنحو والصرف ونحوهما كما نقلوا في ترجمة الشيخ السعدي.
كما أن الشيخ السعدي رحمه الله تعالى كان أحد حفاظ المتون فكان يحفظ الألفية لابن مالك في النحو، وزاد المعاد المستقنع في الفقه، ومنظومة ابن عبد القوي في الآداب، والورقات في الأصول، ونظم الورقات أيضا وغيرها، ومن قرأ مؤلفات الشيخ يعلم ذلك جيدا من استشهاداته.
والشيخ الألباني كان نزيل بيت الشيخ أحمد السالك الشنقيطي يدارسه كل يوم في العلم، وقد استفاد منه الشيخ الألباني وخاصة في المسائل الأصولية.
مع الأسف يا شيخ عائض مقالك هذا سبب صدمة لكثير من الشناقطة، فجاءت ردة الفعل من طلاب علم ومثقفين وعوام قوية، ولك أن تبحث بنفسك في النت بوضع عنوان مقالك، وترى كيف تسبب مقالك في شرخ لا يجبره إلا بكتابة اعتذار؟
سادسا: أكاد أجزم أن الشيخ عائض لو كان في زمن الشيخين العالمين عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين – رحمهما الله – لما استطاع وتجرأ أن يكتب مقالا كهذا يسخر فيه من حفظ المتون غفر الله له، والشيخ عائض لا يخفاه أن ابن عثيمين أحد من نظم العلوم وله منظومات يحفظها طلابه ومنها منظومته المشهورة في أصول الفقه، وقد شرحها وهي مطبوعة متداولة، كما أنه أحد من اعتنى بحفظ المتون وكان يستظهر زاد المستقنع وألفية ابن مالك.
سابعا: الشيخ عائض – غفر الله له - فيما يبدو لي لم يفرق بين الحفظ لذات الحفظ والحفظ الذي يعقبه الفهم ويستعان به على الاستظهار، ولا شك أن الجميع ضد الحفظ لذات الحفظ فقط، أما النوع الآخر فهو مقصود العلماء الذي لم يراعه الشيخ عائض من قولهم من حفظ المتون.
ثم هاهنا سؤال بارك الله فيك، أليست آلاف الأبيات الشعرية للمجنون، وكثير عزة، وجميل بثينة التي تحفظها يا شيخ عائض، وتشنف بها أسماع الناس في كل لقاء لك، أليست متونا؟
وهل هذه الأشعار خير للمسلم أم متن عمدة الأحكام في الحديث للمقدسي، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، وكتاب التوحيد لابن عبد الوهاب؟
وختاما: أرجو من الشيخ عائض أن يتقبل سطوري بصدر رحب، ونفس تتقبل الرأي الآخر، وهو الظن به وفقه الله لكل خير.
عبد الله بن محمد زقيل
zugailamm@gmail.com