آداب المناقشة العلمية-آداب طالب العلم في أثناء الجدال العلمي. للسدحان

ـ[أبو الحارث السلفي]ــــــــ[31 - Mar-2009, صباحاً 03:38]ـ

أخي طالب العلم!

قد يجمعك مجلس علم، يتخلله طرح بعض المسائل العلمية، التي تختلف فيها وجهات من يجالسك، حسب بحث وفهم كل واحد منهم، فيقوم كلُّ بإدلاء دلوه حسب بحثه و قراءته، و ربما يصل الأمر إلى درجة النقاش فيبدأ كل واحد بطرح أدلته وما يعرف في تلك المسألة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقوم بالرد على من خالفه، و هذا لا غرابة فيه ولا عجب، فمجالس العلم لا تخلو غالبًا من هذه المناقشات!

لكن كل ذلك بهدف التوصل إلى الحق و بيانه، ومن ثم رجوع المخالفين إليه، تظلهم في ذلك ظلال المحبة و الإخاء، هكذا كانت مجالس سلفنا مع بعضهم، و الله نسأل أن يسلك بنا مسلكهم، فلنعم القوم هم.

شاهد المقال:

أن بعض المناقشات العلمية قد تخرج عن هدفها الأسمى، و تَجُرُّ أصحابها إلى الوقوع بأنفسهم في محاذير شرعية، من حب الانتصار للنفس،و المكابرة في عدم الرجوع إلى الحق، و إظهار التشفِّي من الطرف الآخر عند رؤيته متراجعا عن قوله. . إلى غير ذلك مما لا يليق بالمسلم العامي، فكيف بطالب العلم الذي يُنظر إليه باعتباره قدوةً و أسوةً في أقواله و أفعاله و جميع تصرفاته؟!!

بعد هذا، أسوق بعض الآداب التي ينبغي لطالب العلم أن يتأدب بها أثناء المناقشة:

فمن آداب المناقشة العلمية:

1 - أن يكون القصد ابتغاء مرضات الله تعالى في إظهار الحق.

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ( ... ومن ذلك: أن المجادلة إنّما وضعت ليستبين الصواب، و قد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق، و قد كانوا ينتقلون من دليل إلى دليل، و إذا خفي على أحدهم شيئ نبه الآخر؛ لأن المقصود كان إظهار الحق) [تلبيس إبليس ص 120].

2 - أن يكون عالماً أو ملمًا بالمسألة التي يناقش فيها.

فإن ذلك من أسباب قوة المناقشة، و كذلك من أسباب ظهور ثمرات المناقشة.

و للإمام ابن كثير رحمه الله تعالى بعد كلام له: (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم فالأهم. فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضًا. فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب) [مقدمة التفسير ص 10].

3 - إظهار روح المودّة والأخوة قبل و أثناء و بعد الجدال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وقد كان العلماء من قوله سبحانه تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}.

و كانوا يتناظرون في المسألة العلمية و العملية، مع بقاء الألفة و العصمة و أخوة الدين.

نعم من خالف الكتاب المستبين، و السنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمّة خلافًا لا يُعذر منه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع). [مجموع الفتاوى 24/ 172].

4 - ضبط النفس و عدم الانفعال.

بل إنْ استطعت أنْ تلطف الجدال بكلماتِ مودةٍ واحترام طيلة المناقشة فلتفعل، كمناداة لصاحبك، بما يليق به من الألفاظ، و لو قرن ذلك بالدعاء له لكان أولى، ومن جميل ما ورد عن ابن عون رحمه الله تعالى (أنّه إذا أغضبه رجل، قال له: بارك الله فيك) [سير أعلام النبلاء 6/ 366].

و أعجب منه ما روي عن يوسف ابن الإمام ابن الجوزي من ظبط نفسه أثناء المناقشة، فقد حكي عنه: (أنه كان يناقش ولا يحرك جارحة!) [ذيل طبقات الحنابلة 2/ 260].

بل إن ذلك أيضًا ما ورد عن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة: (أنه كان لا يناقش أحدًا إلا وهو يبتسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خصمه بالتبسم!) [ذيل طبقات الحنابلة 2/ 137].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015