ـ[حمدان الجزائري]ــــــــ[29 - Mar-2009, مساء 04:45]ـ
وقول اللَّه تعالى: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بالْقَلَمِ * عَلَّمِ الإِنْسانَ مَالَمْ يَعْلَمْ *} (1).
قال الحافظ ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: ((. . . وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان مالم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم. . .)) (2).اهـ
قلت: قوله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَمِ}؛ فيه ذكر الوسيلة إلى العلم، وأنه بالقلم كتابة، وتقييداً، وبالقلم حمل العلم من كل خلف عدوله.
قال الشاعر:
والعالم المدعو حبراً إنما سماه باسم الحبر حمل المحبر
وقوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}؛ أي بما تكتمل به إنسانيته، وتتحقق به عبوديته.
قال أحمد شوقي ذاكراً للَّه هذه النعمة العظيمة (3):
سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته وهديته النور المبين سبيلا
أرسلت بالتوراة موسى مرشداً وابن البتول فعلم الإنجيلا
وفجرت ينبوع البيان محمداً فسقى الحديث وناول التنزيلا
والآيات في كتاب اللَّه الدالة على فضل اللَّه على الإنسان بالعلم، وأنه هو المعلم على الحقيقة، ـ فلا معلم سواه، كما لا إله غيره ـ، كثيرة جداً.
قال تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ *} (4).
وقال ممتناً على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك: {. . . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (5).
وقال عن الخضر عليه السلام: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِن عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْماً} (6).
وقال عن ملائكته: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (7).
وقال عن موسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً. . .} (8).
وقال على لسان أحد أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى في حق طالوت: {. . . قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ. . .} (9).
وقال عن آدم عليه السلام: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا. . .} (10).
وقال عن سليمان وداود عليهما السلام: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً. . .} (11).
وقال عن لقمان الحكيم: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ. . .} (12).
فمن الذي علم آدم، وفهم سليمان، وآتى لقمان الحكمة (؟!) إنه اللَّه العليم الحكيم، الذي أحاط كل شيء علماً.
ولذلك كان ابن تيمية على ما آتاه اللَّه من عقلية فذة، وذكاء نادر؛ يمرغ وجهه في التراب، انكساراً للَّه سائلاً قائلاً: ((يا معلم إبراهيم علمني)).
* كلمة لشيخ الإسلام عن سعة اطلاعه، وتعليقات للمؤلف عليها:
قال رحمة اللَّه عليه: ((ربما طالعت على الآية الواحدة مائة تفسير، ثم أسأل اللَّه الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة، ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل اللَّه تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم علمني)) (13).
قلت: وفي كلمة شيخ الإسلام فوائد جمة ينبغي أن يستفيدها الطالب منها:
* سعة اطلاعه وفيها إشعار بعلو همته التي أضرمت في نفسه الشوق إلى إدامة النظر وإدمان المطالعة، فلولا أنه كان كذلك؛ ما كان ليكون في هذه المنزلة التي أنزله اللَّه إياها.
¥