ـ[أبو الحارث السلفي]ــــــــ[28 - Mar-2009, صباحاً 04:39]ـ
أصل ضلال العالم ومنشؤه إنما هو من القول على الله بغير علم. قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية: (قاعدة الضلال: القول على الله بلا علم) ا. هـ وقد يكون القول على الله بلا علم من الشرك كما قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}، وقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)} سورة الأعراف.
وللقول على الله بغير علم أسباب كثيرة، من أبينها وأوضحها وأخطرها أمران:
الأول: الجهل.
الثاني: الخصومات في الدين.
السبب الأول: الجهل.
لقد نفرت الشريعة من الجهل في الدين، وحضت على العلم وطلبه، وبينت الفرق بين الفريقين فقال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، وقد فرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين العالم والجاهل، وجعل فضل العالم على العابد كفضله -صلى الله عليه وسلم- على أدنى رجل من أمته، وكفضل القمر على سائر الكواكب. وما ذاك إلا لخطورة آثار الجهل في الدين وما ينتج عنه من عبادة الله بغير ما شرع، وإنشاء البدع والمحدثات.
والقائل على الله بلا علم لا يعدو حاله أمرين: الجهل، أو الهوى والابتداع.
أما الجاهل فقد يكون جهله عامَّا، وقد يكون جزئياً منحصرا في مسألته التي قال فيها بغير علم، فإنه إذا كان مريدا للحق ولكن حبه للخير وإخلاصه لله دفعاه للقول على الله بلا علم، فإنه غالبا إذا نصح، وأخبر بأن ما قاله مخالف للشريعة، فإنه سرعان ما يرجع للحق وينيب إلى الله، أما صاحب الهوى، فإنه لا تعييه كثرة السبل، ولا يردعه الخوف من الله، ولكن تسيره الأهواء كورق الشجر حيث مال الهوى والشهوة مال معه وانقاد.
وإنك لتعجب لجهل بعض الناس، تجده جاهلا معرضا عن العلم وأهله، منقادا لكل ناشئ ومحدث من القول، متتبعا للرخص الباطلة والزلات التي لا يتابع فيها أصحابها، فاقدا لأداة التمييز بين الأدلة المتعارضة، ومع ذلك تجده متفيهقا، متعالما، كالورم الخبيث، تراه تحسبه صحة، فإذا ما تفحصت الأمر وجدته سما زعافا، وقيحا منتناًً.
وهذا هو ما يسمه أهل العلم بـ: (الجاهل المركب). والبلاء كل البلاء يأتي من هؤلاء.
وهؤلاء غالبا، لا تنفع معهم الموعظة، إنما ينفع معهم قهر السلطان، لأنهم كثيرا ما يُغلِّبون الهوى والرأي على الدليل والحق. وسرعان ما تجد المحدثات في الدين، والأقوال الضالة تخرج من جيوبهم، ومن تحت أقدامهم. وهذا هو الجاهل الذي لا يدري أنه جاهل.
وآخرون جهلة مقرون بجهلهم، ولكن قد عرفوا قدر أنفسهم، فلم يتحملوا ما لا يطيقون حمله، وإن زل أحدهم رجع عن قوله بعد علمه بخطئه، وهذا هو ما يسميه أهل العلم بالجاهل البسيط وهو الجاهل الذي يدري أنه جاهل، وهذا سرعان ما تتقدم به المعرفة والعلم ويرتفع عن جهله شيئا فشيئا ما دامت هذه حاله، حتى يصل إلى ما هو خير مما هو عليه؛ ذلك لأن من عود نفسه اتباع الحق متى علمه فإن الله سبحانه وتعالى يهديه للحق، ويزيده هدى وعلما. ومن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، ولقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
فالجهل في الدين خطره عظيم، لأنه أصل في القول على الله بلا علم، ولقد قال العلامة ابن جبرين -حفظه الله- في رسالة له بعنوان: (الجهل وآثاره السيئة ص: 9): (الجهل ينقسم إلى قسمين: الأول جهل بالله وبعبادته، والثاني جهل بالشريعة وبالحقوق التي على الإنسان لربه سواء مما أمر بفعله أو أمر بتركه. والواجب أن يزيل هذا الجهلة) ا. هـ
وقال -حفظه الله- محذّرا من الجهل بالعقيدة (ص10): (لا يجوز للعبد أن يبقى على هذا الجهل الذي هو الجهل بالعقيدة) ا. هـ.
وقال -حفظه الله- مبينا آثار الجهل بالدين (ص11): (كثير من الناس أعرضوا عن التعلم الذي هو تعلمهم الشرائع فوقعوا في بدع ومنكرات، أو تعلموا ضد ما أمروا به فوقعت منهم تلك البدع والخرافات) ا. هـ.
¥