قال شيخ الإسلام: (ومن أحبّ أو أبغض قبل أن يأمره الله ورسوله،ففيه نوع من التقدم بين يدي الله ورسوله،ومجرد الحب والبغض هو هوى،لكن المحرم،اتباع حبه وبغضه بغير هدى من الله،ولهذا قال الله لنبيه داوود (ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ... ) ا. هـ () وقال أيضاً: (قال عمر بن عبد العزيز: لاتكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه، فإذا أنت لاتثاب على ما اتبعته من الحق،وتعاقب على ما خالفته. وهو كما قال ـرضي الله عنه ـ ... ) ()
وقال أيضا: (قال أبو عثمان النيسابوري: من أمّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً؛ نطق بالحكمة،ومن أمّر الهوى على نفسه؛نطق بالبدعة،قال تعالى:"وإن تطيعوه تهتدوا .. " ()
وقال ابن القيم: (اتباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبته،والعبد إذا اتبع هواه؛فسد رأيه ونظره،فأَرَتْهُ نفسُه الحسنَ في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسن،فالتبس عليه الحق بالباطل؛فأنّى له الإنتفاع بالتذكرأوبالتفكرأوبالعظة () وقال أيضاً: (القلب كالمرآة،والهوى كالصدأ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصدأ،انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات،فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون) () وقال: (جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار،فليس دونه) () قال ابن المبارك:قيل لعمر بن عبد العزيز: أي الجهاد أفضل؟ قال:جهاد الهوى ()
وقال ابن تيمية: (والإنسان خُلق ظلوماً جهولاً، فالأصل فيه عدم العلم، وميله إلى ما يهواه من الشر،فيحتاج دائماً إلى علمٍ مُفصّل يزول به جهله، وعَدْلٍ في محبته وبغضه، ورضاه وغضبه، وفعله وتركه ... ) () وقال: (ولهذا كان السلف يُسمون أهل الآراء المخالفة للسنة والشريعة، في مسائل الإعتقاد الخبرية ومسائل الأحكام العملية:أهل الأهواء؛لأن الرأي المخالف للسنة جهلٌ لاعلم،فصاحبه ممن اتبع هواه بغير علم .... وكل من اتبع هواه،"اتبعه" بغير علم، إذ لاعلم بذلك إلا بهدى الله ... ) () وقال الكرجي عند قوله تعالى "أرأيت من اتخذ إله هواه .. ":دليل على أن الهوى أشدُّ شئ ضرراً على الدين. () قال بعض الحكماء: اتباع الهوى أوكد أسباب الردى ()
وقال الشعبي: (إنما سميت الأهواء أهواء؛لأنها تهوي بصاحبها في النار) ()،قال الأصمعي عن بعض العرب:الهوى هوان، لكن غُلط باسمه () وقال أبو عبد الله الواسطي:
ليس الهوى إلا الهوان ونونه * نقصت كفعل الزور والبهتان () وقال آخر:
إن الهوى هو الهوان جزم اسمه * فإذا لقيت هوى لقيت هوانا. ()
قال وهب بن منبه في خطبته: (احفظوا مني ثلاثاً: إياكم وهوى متبع، وقرين سوء،وإعجاب المرء بنفسه) ()، ومن مصالي الشيطان وفخوخه:اتباع الهوى في غير ذات الله. قاله النعمان بن بشير ()،قال الثعالبي:من كان لعنان هواه أملك؛ كان لطرق الرشاد أسلك ().كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري:أما بعد،فإذا أتاك كتابي فعظني وأوجز. فكتب إليه الحسن:أما بعد،فأعص هواك، والسلام. () وقال بعض الحكماء:إذا اشتبه عليك أمران،فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه () قال الإمام مالك:لايُؤخذ العلم عن أربعة:وذكر منهم: صاحب هوى (). قال الشاطبي:المقصد الشرعي من وضع الشريعة،إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبداً لله اختياراً،كما هو عبدٌ لله اضطراراً .. وقال: ومَنْ تتبّع مآلات اتباع الهوى في الشرعيات؛وجد من المفاسد كثيراً (). قال ابن حزم:من أفضل نعم الله على العبد، أن يطبعه على العدل وحُبِّه، وعلى الحق وإيثاره ()
وفي الختام:
الهوى في طريق العلم والإستقامة،كالخطاطيف على صراط يوم القيامة،فناج مُسَلّم، وناج مخدوش، وثالث مكدوس، كل بحسب إخلاصه ومتابعته، فاللهم سلِّم سلِّم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[إبراهيم المديهش]ــــــــ[05 - Feb-2007, مساء 01:56]ـ
أيها الأخوة، لم تنزل حواشي المقال أعلاه، لا أعلم كيف أُنزلها مع المقال؟!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - Feb-2007, مساء 02:05]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا الكلام الرائع، والبحث النفيس
هذا، ولقد رأيت كلاماً نفيساً للعلامة المعلمي ت1386هـ في كتابه "القائد إلى تصحيح العقائد"ص30،وهو القسم الرابع من كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"2/ 179ــ 200؛ بعد عرض للموضوع وبيان خطره، وإيراد أسئلة يمتحن بها طالبُ العلم مداخل الهوى إلى نفسه، قال: (وبالجملة، فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى،وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية، زاعماً أنه لاهوى لي، فيلوح لي فيها معنى،فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذلك المعنى؛فأجدني أتبرم بذلك الخادش،وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني، صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لولم يلح لي الخدش، ولكنّ رجلاً آخر اعترض عليّ به؟ فكيف لوكان المعترض ممن أكرهه؟! هذا ولم يكلَّف العالم بأن لايكون له هوى، فإن هذا خارج عن الوسع،وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه، ثم يحترز منه،ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق ..... وقد كان من السلف من يبالغ في الإحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر ... إلخ
هذا الكلام من أروع ما قرأت، ورحم الله العلامة المعلمي، فقد كان آية في الفحص عن الدقائق.
وقال آخر:
إن الهوى هو الهوان جزم اسمه * فإذا لقيت هوى لقيت هوانا. ()
صوابه (إن الهوان هو الهوى) ليصح الوزن، والمشهور (سرق اسمه)
والله أعلم
¥