قال الشيخ عبد الرحمان الجيلالي في تاريخ الجزائر العام (2/ 245): فمن ذلك ما وقفت عليه بنفسي جزءان من شرح البخاري كلاهما كان موجودا بمكتبة الجامع الجديد بالجزائر وهما بخط المؤلف ثم فقد الجزء الأول منهما وبقي الثاني، وبعد مدة وقفت على نسخة من الجزء الأول بنفس المكان وهي بخط مغاير لخط الجزء الثاني وأجمعنا على أنها بخط الثعالبي؟ ولا يزال الجزءان بخزانة الجامع الجديد تحت عدد 143، 440، وهو لعمري من أوسع الشروح وأغررها مادة وأجزلها مباحث وربما هو كما قال مؤلفه: "أغنى عن الشروح الكاملة". أهـ.
وممن اهتم برجال الصحيحين العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسن بن مخلوف الراشدي المتوفى سنة 868هـ وهو فقيه مالكي محدث من أهل تلمسان له من الآثار:
• الزند الواري في ضبط رجال البخاري.
• فتح المبهم في ضبط رجال مسلم 7.
مع الوجود العثماني بالجزائر قل التأليف في علم الحديث عموما وفي شروح الكتب خصوصا وذلك راجع لوجود وفرة في الشروح العظيمة لهذه الكتب فتولى العلماء مهمة تدريس الحديث رواية وشرحا.
وممن قاموا بالتدريس في هذه الفترة الشيخ عبد الرزاق حمادوش الذي تولى سرد صحيح البخاري في الجامع الكبير بالعاصمة 8. وأيضا الشيخ أبو حسن علي الونيسي المالكي والذي ختم شرح البخاري ومسلم عدة مرات. وترك من المؤلفات الحديثة شرح صحيح البخاري في 12 جزءا.
وكان الإمام أحمد المقري-رحمه الله- مشهورا برواية الحديث الذي أخذه عن علماء المغرب والمشرق. وقد تصدر لتدريس صحيح البخاري في الجامع الأزهر حتى بهر الحاضرين كما وفد على المدينة المنورة سبع مرات وأملى الحديث النبوي هناك. وأملى أيضا صحيح البخاري بالجامع الأموي بدمشق أثناء درس كان يلقيه بعد صلاة الصبح.
ولما كثر الناس حوله خرج إلى صحن الجامع، وحضر درسه غالب أعيان دمشق وجميع الطلبة، ويصف المحبي يوم ختم البخاري قائلا:"وكان يوم ختم البخاري حافلا جدا اجتمع فيه الألوف من الناس وعلت الأصوات بالبكاء فنقلت حلقة الدرس إلى وسط الصحن ..... وأتي إليه بكرسي الوعظ فصعد عليه وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره أبدا. وتكلم على ترجمة البخاري ... وكانت الجلسة من طلوع الشمس إلى قرب الظهر ..... ولم يتفق لغيره من العلماء الواردين إلى دمشق ما اتفق له من الحضوة وإقبال الناس".9 أهـ.
وممن قام بالتأليف في هذه الفترة: المحدث أحمد بن قاسم بن محمد بن ساسي البوني المتوفى سنة 1129 هـ والذي ألف كتبا كثيرة منها:
• مختصر مقدمة فتح الباري على صحيح البخاري.
• فتح الباري بشرح غريب البخاري.
• التحقيق في أصل التعليق (معلقات البخاري)
• الإلهام والانتباه في رفع الإيهام والاشتباه (أي الكائن في البخاري).
وترك ولده محمد بن أحمد البوني نظميين:
- الأول: نظم كتب صحيح البخاري.
- الثاني: نظم كتب صحيح مسلم.
كما قام الشيخ ابن أبي جمرة باختصار صحيح البخاري في مجلد، وكان مختصره مشهورا متداولا بين الجزائريين. وقد شعر عبد الرحمان بن عبد القادر المجاجي أن هذا المختصر في حاجة إلى شرح يضبط ألفاظه ويقرب معانيه فقام بعمل ضخم بها الصدد وسمى شرحه (فتح الباري في ضبط ألفاظ الأحاديث التي اختصرها ابن أبي جمرة من صحيح البخاري) 10.
كما نظم الشيخ محمد بن علي المعروف بأقوجيلي الجزائري منظومة سماها (عقد الجمان اللامع المنتقى من قعر بحر الجامع) 11 وهي منظومة في مخرجي أحاديث الجامع الصحيح للبخاري وعدد الأحاديث التي لكل منهم ومن هو المكثر ومن هو المقل. وتوجد نسخة منه بدار الكتب المصرية.
أما في عصرنا الحالي فنجد الأستاذ العلامة محمد بن أبي شنب ألف بحث لطيفا قدمه إلى مؤتمر المستشرقين الرابع عشر المنعقد بالجزائر سنة 1905م سماه:"وصول صحيح البخاري إلى أهل الجزائر". كما قامت وزارة الشؤون الدينية في عهد الشيخ عبد الرحمان شيبان بإحياء سنة قراءة صحيح البخاري بالجامع الكبير بالعاصمة، وممن قاموا بشرح بعض أحاديث البخاري الشيخ العلامة محمد شارف –حفظه الله- كما قام الشيخ محمد باي بلعالم بشرح صحيح مسلم.
وفي خلاصة البحث نقول: إن علماء الجزائر برغم أنهم مغاربة مالكيون إلا أن اهتمامهم بصحيح البخاري قد فاق صحيح مسلم بكثير ونحن نعلم من علم مصطلح الحديث أن علماء المغاربة يفضلون صحيح مسلم على صحيح البخاري.12
الهوامش:
1 - الديباج المذهب – ابن فرحون ج 2/ 114
2 - ترتيب المدارك – القاضي عياض ج2/ 51
3 - تاريخ الجزائر العام –الجيلالي ج2/ 78
4 - توجد نسخة منه بالقاهرة تحت رقم أول 1/ 325
5 - توجد نسخة منه بمكتبة بطارسبورغ تحت رقم 1/ 12
6 - تاريخ الجزائر العام – الجيلالي ج3/ 206
7 - معجم أعلام الجزائر –عادل نويهض ص 331
8 - تاريخ الجزائر الثقافي –سعد الله ج2/ 26
9 - خلاصة الأثر –المحبي ج1/ 305
10 - تاريخ الجزائر الثقافي –سعد الله ج2/ 30. وتوجد نسخة منه بالخزانة العامة بالرباط برقم ك 1775
11 - تاريخ الجزائر الثقافي –سعد الله ج2/ 32. وتوجد نسخة منه بدار الكتب المصرية مجموع رقم 52
12 - أنظر: تدريب الراوي للسيوطي ص 69 و الباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر ص 23
¥