كانت صلته بابن باديس في حياته و بجماعته بقسنطينة لم تنقطع، و من هنا عمل بمجلة "الشهاب"، ثم بجريدة "البصائر" و كتب فيهما، و تحمل مسؤوليات في جمعية العلماء، و شارك في الصحافة التونسية و الجزائرية منذ سنة 1937، و انتخب أمينا عاما في جمعية الطلبة الجزائريين بتونس بجانب المرحوم الأستاذ الشاذلي المكي الذي اعتقل سنة 1940 و تعطلت الدراسة في شهر جوان 1940، فلم تستأنف إلا في شهر أكتوبر فحضر امتحان التحصيل و نجح بالتفوق، ثم جاءه الأمر من جماعة قسنطينة بمواصلة الدراسة العليا و أطاع، فواصل الدراسة بجد في القسم الشرعي و انتهت بحصوله على العالمية في جويلية 1943.
أثناء هذه الفترة تطورت أحداث الحرب العالمية الثانية، و نزل الحلفاء بالجزائر و سابقهم الألمان نزلوا بتونس في نوفمبر 1942 و انقطعت الصلة بين تونس و الجزائر تماما، و تعذر الاعتماد المادي و كان معه بعثة علمية هو مسؤول عنها ماديا و أدبيا، فصار مسؤولا عن خمسة و لم يبخل الشعب التونسي الكريم علينا طيلة وجود الألمان حتى ارتحلوا أو طردوا في ماي 1943.
أثناء وجود الألمان غامرنا بالاتصال معهم مغامرة وطنية مع أنهم قد بدأ احتضارهم و كنا ثلة من التونسيين و الجزائريين، و قد انكشف لنا خبث نياتهم و سوء نظرهم إلى العرب، و تبين أنهم يعتبرون ارض إفريقيا حقا لاستغلال الأوروبيين، و عداوتهم للفرنسيين إنما من اجل هذا الاستغلال، أما العرب فهم كالعدم، و في برقية من "هتلر" إلى بيتان يقول: "نزلت جيوشي بتونس من أجل الاحتفاظ بإفريقيا لأوروبا" ففشلت هذه الاتصالات بهم، و خصوصا هزائمهم في روسيا، و في العلمين.
بعد احتلال تونس ألصقت بنا تهمة الاتصال بالعدو في زمن الحرب، و القي القبض على كثير من الطلبة الجزائريين، فدخلت عالم السرية ابتداء من 1943 و نجوت من العذاب الأليم، ثم قدمت إلى المحاكمة التي وقعت في 20 مارس 1945 بعد تدخل جمعية العلماء و أهل قسنطينة و قدمت رشوات ضخمة أنجت الطلبة الجزائريين و حكم عليهم بالبراءة أو بأحكام خفيفة.
كان الرجوع إلى الجزائر في 30 افريل 1944 في عهد السرية، فلما نزلت بقسنطينة ابتدأت العمل في التربية و التعليم، و كنت كالضمير المستتر لا يبرز رغم أثره العظيم، و رغم أن البحث عني كان ما يزال جاريا بتهمتين: الفرار من الجندية الإجبارية و التعاون مع العدو في زمن الحرب، لكن امتنا الكريمة تستطيع كتمان السر عند الحاجة، و حتى الشرطة فيهم من يكتمه لأن كشفه يفيد العدو، فلما جاء أجل المحاكمة لم يبق مفر من البروز بعد تمهيد الطريق، فوقعت المحكمة بتونس أمام المحاكم العسكرية و نجونا جميعا بالبراءة او بالحكم الخفيف.
و في عهد السر حصلت على الشهادة العالمية في القسم الشرعي، و دخلت القسم الأدبي، و شرعت في الدراسة، ثم قطعتها و رجعت في التاريخ المذكور، و قد سميت مديرا علميا للدراسة في التربية و التعليم، و أهم ما طرأ على الدراسة في هذه المدرسة إنشاء التعليم الثانوي بها، و تخلي المرحوم السعيد حافظ عن إدارتها فخلفه المرحوم الأستاذ / عبد الحفيظ الجنان، أما المدرسة الثانوية فقد عين لمباشرتها الشيخ السعيد حافظ لقسم الإناث، و أحمد حماني لقسم الذكور، ثم داهمتنا أحداث 8 ماي 1945، و صدر الأمر بغلق المدرسة و كل مدارس الجمعية في ولاية الشرق ابتداء من شهر ماي 1945.
عقد مؤتمر من المعلمين و رجال الجمعيات في مارس 1946 بقسنطينة، و قرر عدم الاعتراف بقرار الغلق ووجوب إعادة الحياة للدراسة العربية ابتداء من أول السنة الدراسية، و فتحت المدارس أمام أعين العدو المبهوت، و عدت إلى الإدارة العلمية ابتداء من أكتوبر 1946،ـ و قد عين للإدارة العلمية المرحوم أحمد رضا حوحو، و أنشء قسم ثانوي للبنات و للذكور.
في هذه السنة تكون مؤتمر المعلمين و أنشئت لجنة التعليم العليا لغرض توحيد التعليم الحر ماديا و أدبيا على مستوى الوطن و بعض مدن فرنسا، و قد عينت عضوا في هذه اللجنة التي أنجزن أشياء كثيرة في عقد من السنين، كما أنشأت التفتيش الابتدائي و العام ووحدت الدراسة، و أنشأت الشهادات الفاصلة بين مراحل التعليم، و نفذت البعثات العلمية إلى ثانويات و جامعات مصر.
¥