وغليزان مدينة عريقة ([1]) , وهي من بين المدن الجزائرية العامة ولكنها لم تحظ بعناية الكتاب والمؤرخين الجزائريين الذين يرجع لهم الأمر في كتابة تاريخ بلادنا ومناطقها الزاخرة بالأمجاد والأعلام والمعالم التاريخية. وهذا النقص دفع بعض المهتمين بتاريخ المنطقة للبحث عنه في وثائق الكتاب الأجانب الذين استغلوا هذا الفراغ لطمس الحقائق التاريخية الثابتة أو تزييفها حسب أغراضهم الاستعمارية.

لقد حاول الكتاب الفرنسيون التأكيد على أن جل المدن الجزائرية حديثة النشأة بهدف تثبيت سياستهم الكولونيالية, ولكن التاريخ أثبت أن غليزان مثل مدن أخرى ومنها مازونة, القلعة, زمورة, وادي ارهيو, عمي موسى, يلل, جديوية, والمطمر, كانت موجودة قبل الاحتلال الفرنسي, والآثار الحالية تدل على ذلك, غير أن هذا الموضوع يتطلب البحث المتواصل لمعرفة معالم الجزائر وتاريخ مناطقها العريقة وكنوزها الثقافية والحضارية.

فغليزان ليست حديثة العهد كما كتب ذلك أبناء"الأقدام السوداء" ومنهم مؤلف كتاب عن غليزان ([2]) مع العلم أن آثار مدينة (مينا) , الموجودة جنوب غرب المدينة الحالية, تدل على أن المنطقة كانت آهلة بالسكان الذين استقروا على أراضيها الخصبة ولم تكن أرضا قاحلة كما ادعى مؤلف الكتاب الذي لم تسعفه ثقافته المحدودة من الاطلاع على التراث الثقافي والحضاري للجزائر ورغم ذلك حاول تزييف حضارة الجزائر وتاريخ المنطقة وثوراتها الشعبية ومنها ثورة1864م التي قادها الثائر الصوفي سيدي الأزرق بلحاج ضد الاحتلال الفرنسي.

مدينة مينا:

اشتهرت غليزان في العهد الروماني باسم (مينا) المشتق من الكلمة اللاتينية Mine ( مين) التي تعني المنجم وقد أكد هذا التفسير بعض الكتاب, ومنهم من أرجع أصل هذا الاسم إلى الكلمة الأمازيغية (أمان) التي تعني الماء ([3]). وغليزان بأراضيها الخصبة هي فعلا منجم الخيرات الكثيرة التي تحتويها المنطقة المعطاء وخاصة سهولها الشهيرة المتربعة على مساحات محيطي مينا والشلف السفلي. فهي تحتضن اليوم سدين هامين وهما سد السعادة (240مليون م3) وسد قرقار (450مليون م3) إلى جانب مرجة سيدي عابد (46مليون م3).

غليزان:

اختلف الباحثون حول معنى اسم غليزان كما اختلفوا في رسم هذا الاسم الذي كتب على عدة أوجه ومنها: (إغيل – إزان) , (إغيل – يزان) , (إيغيليزان) , (غيليزان) , و (غليزان). وقد استقرت كتابة الاسم على الرسم التالي: (غليزان) مع نطقها بكسر حرف الغين. وفي كتاب (بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد) , تحدث يحيى بن خلدون عن غليزان التي استقر بها بوزيان القبي لمحاربة جيش أبي حمو موسى الثاني الذي كان متواجدا بمدينة البطحاء (المطمر حاليا) وقد كتب اسم المدينة كالآتي: "إغيل – يزان". ففي وصفه للأحداث التاريخية التي جرت في القرن الرابع عشر ميلادي, يذكر يحيى بن خلدون المدينة في الفقرة الآتية:"ثم خرج أعلى الله أمره بركابه العلي يوم الاثنين الحادي عشر منه فجد السير لحرب الأعداء بعد أن استوزر الشيخ أبا موسى عمران بن فارس بن حريز اللؤلؤي فلقيته الجيوش دوين البطحاء فثناها ونزل البطحاء وقد طانبها لإغيل – يزان العدو .... " ([4]) والمعلوم أن اسم غليزان أمازيغي وهو مركب من (إغيل) و (إزان) ومعناه الربوة المحترقة.

غزة:

قبل الدولة الزيانية (العبد الوادية) التي أرخ لها يحيى بن خلدون في كتابه المذكور آنفا, كانت المدينة معروفة باسم آخر وهو "غزة" (برفع حرف الغين). ويؤكد مبارك الميلي في كتابه (تاريخ الجزائر الحديث والقديم) على أن مدينة الغزة هي المعروفة اليوم بغليزان, وكتب أن: (البكري لما ذكر الغزة –وهي غليزان- قال:"وبقربها على البحر قلعة مغلية دلول وهي في أعلى جبل منيف هناك شديد الحصانة. بينها وبين البحر خمسة فراسخ وبها عين ماء تسمى عين كردي. وبين قلعة دلول هذه ومدينة مستغانم مسيرة يومين".) ([5])

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015