لقد عاشوا يومًا في هذه المنطقة ولكن توسع الجيوش العربية دفعهم إلى اللجوء إلى تحصيناتهم في الجبال الآمنة، ومن هنا كانوا يستطيعون القيام بهجماتهم المتكررة على العرب، استمرت الحروب الطاحنة لما يزيد عن الثلاثين عامًا من المعارك الضارية قبل أن يدخل نور الإسلام إلى عقول وقلوب البرابرة.
اعتنق البرابرة الإسلام وقاتلوا تحت لواء الدولة الإسلامية، كان طارق بن زياد الزعيم الأساسي للبرابرة وكان قائدًا فذًّا ومقاتلاً مخيفًا.
كانت عائلته قد اعتنقت الإسلام.
دُعي طارق إلى اجتماع مع القائد والفاتح البطل موسى بن نصير.
كان القائد المجاهد موسى بن نصير يعد المجاهدين الأقوياء لفتح الأندلس ونشر الإسلام فيها، تحدث موسى مع طارق بالأمر وأمره بأن يجمع رجاله ويأتي بهم إلى ميناء طنجة، تقع إسبانيا على بعد عشرين ميلاً خلف البحر كان موسى متأكدًا من أن هذا البلد سيُفتح بإذن الله بسهولة.
وسيقود طارق الحملة الأولى من الهجوم لتحديد مستوى مقاومة "الفيسكوتس"، عام 711 أبحر طارق متوجهًا إلى إسبانيا، رست السفن على صخرة عند أسفل الجبل تُعرف حتى ذلك اليوم باسم جبل طارق.
واجه الفاتحون المسلمون مقاومة محدودة عندما أقاموا قواعد لهم، كان "الفيسكوتس" يتقاتلون فيما بينهم على مسألة تولي "رودريك" العرش.
ما كان طارق يتوقع بأن يكون الأمر بهذه السهولة بعد أن بدأ يدفع بوحداته إلى الأمام ويعزز الفتح الإسلامي على الشواطئ الأسبانية.
واندفع المسلمون في أعماق الأرض عازمين على نشر دعوة الإسلام في ربوع إسبانيا، عندما تنبه "الفيسكوتس" أخيرًا للأمر بعثوا بسفير ينقل الخبر.
حذر الموالون للملك في الشمال بأن هناك هجومًا واسعَ النطاق قد بدأ يتقدم من جنوب إسبانيا.
انطلقت شبكة من المبعوثين تعبر ستمائة ميل كي تصل إلى الملك.
كان "رودريك" على ثقة بأن القوات الملكية سوف تتمكن من دحر الغزاة.
دون أن ينتظر حشد مزيد من القوات، انطلق "رودريك" بمن معه من رجال باتجاه الجنوب.
بعد مسيرة طويلة ومتعبة واصل "رودريك" وقواته إلى وادي النهر الكبير، كان "الفيسكوتس" يعتادون على قتال تقف فيه القوات المتحاربة في مواقع متواجهة لبعضها البعض عبر ساحة القتال، ولكنهم هذه المرة يواجهون عدوًّا من نوع آخر، فهو نشط ومتحرك ويهاجم بسرعة فائقة.
توجه مقاتلو طارق البرابرة مباشرة نحو "رودريك" لأنهم يعلمون بأنه حالما يسقط الملك من الممكن أن يتحقق النصر، تمكن المسلمون بفضل الله من إحراز النصر السريع على "الفيسكوتس" المتعبين.
وكان طارق يراقب وحداته وهي تحقق الفوز الكبير، وقُتل الملك "رودريك".
سرعان ما طارت أنباء الانتصارات التي حققها طارق إلى موسى في شمال إفريقيا، وتمهدت الطريق لنشر نور الإسلام في أوروبا.
أنزل موسى قوات كبيرة في جنوب إسبانيا وهو يصر على متابعة فتوحاته، أدى موت الملك "رودريك" إلى عودة الانقسام بين الفيسكوتس وفتح طارق قرطبة ومدينة طليطلة الملكية بينما فتح موسى مدينة "سيفيل"، فرح المسلمون المجاهدون وسجدوا لله شكرًا.
لجأ ما تبقى من جنود الملك "رودريك" إلى مدينة "ميريدا" ثم حوصرت المدينة من قبل بعض المجاهدين المسلمين.
قاوم "الفيسكوتس" الحصار لمدة أربعة أشهر حتى تضاءلت المؤن والمياه فأجبروا على الاستسلام ودخلها أيضًا نور الإسلام.
بعد أن رأوا ما جرى في "ميريدا" سارعت المدن الإسبانية الأخرى ووقعوا على معاهدة الاستسلام التي عرضها "موسى" يقول فيها:
(أولئك الذين يستسلمون ويخضعون لمشيئة الله لن يتعرضوا للقتل أو الاستعباد أو الانفصال عن بعضهم البعض، ولن يتعرض لهم أحد فيما يتبعونه من ديانة ولن تتعرض كنائسهم للدمار).
وقد شهدت الأندلس في ظل الحكم الإسلامي نهضة شاملة حتى أضحت منارة أضاءت جنبات أوروبا المظلمة، ولم يعرف التاريخ أرحم من الفاتح المسلم الذي حمل الخير والهداية إلى كل مكان نزل فيه.
بعد ثمانية عشر شهرًا استدعي موسى بأمر من الخليفة للعودة إلى بلاده وقدم نفسه للخليفة "الوليد بن عبد الملك".
وسلم موسى كل ما جمعه من ثروات لأنها كانت ملك الأمة، وسجد المجاهد "موسى بن نصير" شكرًا لله تعالى الذي وفقه في إبلاغ دعوة الإسلام ونصرة المسلمين.
أما طارق بن زياد فترك إسبانيا وعاد إلى شمال إفريقيا بعد أن كتب التاريخ اسمه كبطل فاتح.
شكل الفتح الإسلامي للأندلس منعطفًا هامًّا في تاريخ أوروبا، بقي العرب في أسبانيا فأدخلوا تقنيات الري والزراعة الحديثة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما حملوا الثقافات ومبتكرات الحضارة الإسلامية حيث أثروا في أشكال الرياضيات والعلوم المختلفة في مجالات كثيرة.
كان الفتح الإسلامي للأندلس منارة حضارية في أوروبا كلها فقد أسهمت المعارف الإسلامية وآدابها في بعث روح حضارية جديدة في أوروبا مما كان له بالغ الأثر في نهضتنا المعاصرة وبالاستفادة من علوم المسلمين تمكن كريستوفر كولومبس من اكتشاف أمريكا.