ولكن رسالتكم المبرهنة على اكمال مودتكم حققت بعض مما في الفواد،وحلت محل الناظر من السواد، فجزاكم الله تعالى احسن الجزاء،ولطف بنا وبكم فيما يجزي به القضاء ولا زلتم محروسي والسلام عليكم على الدوام >> احمد بن عبد الحميد الشاوي.
وبعد ايام نقل من تدريس الجزيرة الى منصب الافتاء في مدينة البصرة الفيحاء، وقرت به عيون الشريعة في هاتيك الانحاء، ولم يزل بعيشة راضية واحوال حالية،غير ان المومن لم يزل مبتلى بالمصائب،منغص العيش بالنوائب لايرى من زمانه ابتسام ثغر الا وقطب وجهه الف شهر،وما عدل وجبر الا ورض العظام وكسر،ولاتقشعشت غموم ساعة من الزمان الا وتراكمت دهرا طويلا سحب الهموم والاحزان،فقد فجع هذا المترجم والامر لله الواحد القهار بما هو اعظم المصائب والاكدار وهو افول بدره بل حياة عمره وانهدام ركنه بل قضاء حياته وزوال نعيمه بل سبب جحيمه الا وهو فقد ولده الكبير،وكوكب سعده المنير اديب العراق على الاطلاق ومزيد الاقران بالاتفاق وهو الشاعر الناثر مجمع الفائل والماثر ذو الراي السديد ابو المفاخر عبد الحميد،فقامت قيامة والده بفقد من كان بعد الله اقوى ستعده فكتبت له ما جرت به العادة وطلبت له ما ينال به السعادة فكتب في الجواب اجزل الله الثواب ما نصه:
من البصرة الى بغداد وذكر العنوان وقال: (وبالله المستعان وعليه التكلان وبه استعين وهو في كل شدة نعم المعين ولاملجاء الا اليه ولا معول الا عليه،وله الحمد على كل حال واليه المرجع والمال وقد صرت للحوادث غرضا منصوبا، وللنوائب حملا ركوبا تتصل في ماضيات نصالها وتحمل على مثقلات احمالها فلله قلبي ما اصبره واقساه وجسمي ما اصلبه واقواه،فلو كان قلبي حديدا لذاب،او كان وجودي صخرا لتصدع من عظم المصائب ولعمري لقد قل المنون شبابي وافسد على حياتي واثكلني لذاتي فما هو الا قمص الصبر اتدرعها وغصص الموت اتجرعها وتاتي زفرات الحزن الاتصعدا وجمرات الوجد الا توقدا ولكن ما الحيلة وقد حل البلاء وفرض العزاء،وكتب الرضى والتسليم عند حلول الامر الجسيم،فلا تسخط لقدر الله وهو عدل ولا تكره لقاضاءه وهو فصل فانا لله وانا اليه راجعون تسليما لما مضاه ورضا بما قضاه،ولقد تشرفت بكتابكم الكريم الشريف فتناولته بكف التكرم وانامل التبجيل والتعظيم،وفضضت عن خط تسكب منه العبرات،ولفظ تتجاوب من خلاله الحسرات بمشاركة مولاي اطال الله بقائه في هذه المصيبة مشاركة من لايتميز في محنة ولامنحة وسروره وحزنه ابقاك الله لعلم مدراسه وتجدد دارسه،ولاخوان تكون لهو عون في حوادث الزمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في 1من شهر ربيع الاخر سنة 1312 الداعي من البصرة احمد الشاوي ..
ثم انه لما يزل في البصرة منغص العيش بالمرة الى ان انتقل الى رحمة الله وذلك سنة تسع عشرة وثلاثمائة والف للهجرة،ودفن في مقبرة الزبير ودفن معه علمه وادبه وكل خير واسف على فقده من كان عارفا بعلو قدره مطلع على حلوه ومره وقد رثاه صاحبه وخلفه في الافتاء الفاضل طه الشواف:
لانجدن ابا عبد الحميد وقد ... عن فردي تربك المطر
اذا رثيتك بالشعر البديع فمن ... بعد شخصك يدري ما الخبر
فاذهب عليك سلام الله من دعة ... فسوف يرثيك (3) اعين غزر
وكان رحمه الله اسمر اللون نحبف البدن معتدل القامة ربعه،له شغف عظيم بكتب اللغة واثار السلف المرضية وقد ترجمته غير هذا الموضع بابسط مما ذكر والله ولي التوفيق , ....