ـ[حامل المسك1]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 08:50]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
منقول للفائدة
الإسهامات الحضارية وأهم أعلام مدينة القيروان
لقد استطاعت القيروان أن تفرز طوال أربعة قرون متتالية مدرسة متعدّدة الخصائص أبقت على ذكرها خالدا وحافظت على مجدها التليد. وكانت المدينة آنذاك سوقا للمعرفة يغترف من مناهلها الواردون على أحواضها والمتعطّشون لمعارفها. فطبّقت شهرتها الآفاق وعمّ ذكرها كامل أرجاء المغرب الإسلامي. وانتصب بها منذ أواخر القرن الثالث هجري/ التاسع ميلادي بيتا للحكمة – محاكية لمثيلتها ببغداد في التّبحر في مجالات العلوم الطبيّة والفلكيّة والهندسيّة والتّرجمة – وركّزت مقومات النهضة الفكريّة والعلميّة بالبلاد.
المدرسة المالكيّة
ولعلّ من أبرز إسهامات القيروان في الحضارة العربيّة المغربيّة دورها الديني والرّوحي في ترسيخ العقيدة الإسلامية بالمغرب الإسلامي. وكان السبق في ذلك للفقهاء العشرة الذين بعث بهم عمر بن عبد العزيز لتفقيه أبناء إفريقية ومساعدتهم على فهم مناسك دينهم فتعدّدت الكتاتيب والحلق وانتشرت المعارف الدينيّة حتى إذا ما آل الأمر إلى الأغالبة ظهرت طبقة يمتاز رجالها بالعكوف على أقوال الأيمة المجتهدين في التشريع يجمعون شتاتها ويؤلفون بين موضوعاتها ويبوّبون مسائلها الفقهيّة وينسّقون أحكامها بعد أن وقفوا على تفسير القرآن وعرفوا رواية الحديث والسنن. ومن أعلام هذه الطّبقة أسد بن الفرات وعبد الله بن فروخ. ثم انبرت القيروان بعد، ما أنضجته الاختلافات المذهبيّة من مناظرات وتيارات دينيّة، إلى المالكيّة،وان نشأ هذا المذهب بالمدينة فقد كان للقيروانيين شرف تدوينه على يدي أسد بن الفرات، ثم سحنون بن سعيد (المتوفى سنة240هـ) المؤسس الأول لمدرسة الفقه المالكي بإفريقية وأبرز علم في المعرفة الدينيّة بالمغرب الإسلامي قاطبة. وقد واصل تلاميذه إنضاج هذا المذهب بالتبحّر في أبوابه وتفسير أقوال من تقدّم وإيضاح آرائهم ومحاولة تعميم مشاربه ليكون مستوفيا لحاجة المجتمع ومعبّرا عن مآربه، فكانت مؤلّفات محمّد بن سحنون (المتوفى سنة 255هـ) في البيوع ويحي بن عمر (المتوفى سنة 289هـ) في أحكام السوق ومحمد بن عبدوس (المتوفى سنة 260هـ) في تفاسيره. ورغم الاضطهاد الذي تعرض إليه أعلام المالكيّة على يدي الشيعة فانّهم استطاعوا ترسيخ المجتمع الإفريقي خلال العهد الفاطمي، في انتماءاته السنيّة واستيفاء مقوّمات المذهب وتنويع فروعه. ومن أبرز شخصّيات هذا الطور عبد لله بن أبي زيد القيرواني (المتوفى سنة 386هـ) صاحب الرّسالة و النوادر والزيادات على المدونة وأبو الحسن القابسي (المتوفى سنة 403هـ) وأبو عمران الفاسي (المتوفى سنة 430 هـ).
وبذلك يعود الفضل إلى القيروان في إنضاج الفكر المالكي ونشره في كامل بلاد المغرب فكان أحد مقوّمات وحدة الديار والمصير وحاميا للمجتمع المغربي من آفات التناحر المذهبي.المدرسة الطبيّة والعلميّة
لقد قامت بالقيروان مدرسة طبيّة متميّزة ترعرعت على يدي إسحاق بن عمران الوارد من بغداد وما تولاه من نشر المعارف الطبيّة التي كانت نافقة بالمشرق على اثر حركة التّرجمة التي ازدهرت على يدي الخليفة المأمون. وكان إسحاق حاذقا عارفا بتركيب الأدوية، وهو أول من انصرف بإفريقية لاعتماد التجربة الطبيّة وكتب في مجالات عدّة منها الأدوية المفردة والصفد والنّبض، وتميّز بمؤلّفه في الماليخوليا الذي لم يسبق للعرب أن ألفوا فيه. وكذلك نحا نحوه إسحاق بن سليمان الواصل من مصر وكان له الفضل في نقل الكثير من العلوم الطبية اللاتينية والإغريقية ووضع كتابا في الحميات وآخر في الأغذية، واستحكمت على يديهما قواعد المعرفة الطبيّة والصيّدليّة بإفريقية وتتلمذ عليهما نخبة من الأطباء كعليّ ابن إسحاق بن عمران ودوناش بن تميم، وتواتر ذكر الأطباء في كتب الطّبقات الموضوعة في أبواب مختلفة الى أن بلغت المدرسة الطبيّة الإفريقية نضجها في العهد الفاطمي وفي أيّام صنهاجة على يدي أحمد بن الجزّار المتوفى سنة 369هـ و هو الذي كان أمامها بدون منازع، واسع المعرفة والاطّلاع في مختلف الاختصاصات صيدلانيّا ممارسا ألّف في مختلف العلوم حتى فاقت تآليفه الأربعة والأربعين كتابا
¥