و وصلتني برقيات تواسيني و انها لمنة ممن بعث بها و ممن كتب يعجز لسانالشكر عن وفاء حقها و لكنيسكت فلم اشكرها و لم اذكرها, لأن المصيبة عقلت لساني, و هدت اركاني.
و اضاعت عليّ سبيل الفكر,
فعذرا" و شكرا" لاصحاب البرقيات و الرسائل .....
كنت احسبني جلدا" صبورا", اثبت للأحداث , و اواجه المصائب ,
فرأيت اني لست في شيء من الجلادة و لا من الصبر و لا من الثبات ...
صحيح انه:
و لا بدّ من شكوى الى ذي مروءة-----------يواسيك او يسليك او يتوجع، و لكن لا مواساة في الموت, و السلو مخدر اثره سريع الزوال. و التّوجع يشكر و لكن لا ينفع شيئا".
و اغلقت عليّ بابي و كلما سألوا عني ابتغى اهلي المعاذير, يصرفونهم عنالمجيء, و مجيئهم فضل
منهم, و لكني لم اكن استطيع ان اتكلم في الموضوع.
لم ارد ان تكون مصيبتي مضغة الاهواء, و لا مجالا" لاظهار البيان, انهامصيبتي وحدي فدعوني
اتجرعها وحدي على مهل.
ثم فتحت بابي, و جعلت اكلم من جاءني, جاءني كثير ممن اعرفه و يعرفنيو ممن يعرفني و لا
اعرفه.
و جعلت اتكلم في كل موضوع الا الموضوع الذي جاؤوا من اجله, استبقيتاحزاني لي, و حدثتهم
كل حديث حتى لقد اوردت نكتا و نوادر. اتحسبون ذلك من شذوذ الادباء؟ ام من المخالفات التي يريد اصحابها ان يعرفوا بها؟
لا والله و لكن الامر ما قلت لكم. كنت اضحك و اضحك القوم و قلبي و كل خلية في جسدي تبكي.
فما كل ضاحك مسرور:
لا تحسبوا ان رقصي بينكم طربا"---------------فالطير يرقص مذبوحا" من الالم
اني لأتصوّر الآن حياتها كلها مرحلة مرحلة, و يوما" يوما" تمر امامي
متعاقبة كأنها شريط اراه بعيني.
لقد ذكرت مولدها و كانت ثانية بناتي, و لقد كنت اتمنّى ان يكون يكري ذكرا"
و قد اعددت له احلى الاسماء
ما خطر على بالي ان يكون انثى.
و سميتها عنان و ولدت بعدها بسنتين بنان اللهم ارحمها و هذه اول مرة او الثانيةالتي اقول فيها اللهم ارحمهاو اني لأرجوا الرحمة لها و لكني لا استطيع ان اتصور موتها.
و لما صار عمرها اربع سنوات و نصف السنة اصرت على ان تذهب الىالمدرسة مع اختها, فسعيت ان تقبل من غير تسجل رسميا".
فلما كان يوم الامتحان و وزعت علاماتها المدرسية و قد كتب لها ظاهريا" لتسر
بها و لم تسجل عليها.
قلت هيه؟ ماذا حدث؟
فقفزت مبتهجة مسرورة و قالت بلهجتها السريعة الكلمات, المتلاحقة الالفاظ:
بابا كلها اصفار اصفار اصفار.
تحسب الاصفار هي خير ما ينال.
و ماذا يهم الان بعدما فارقت الدنيا أكانت اصفارا" ام كانت عشرات, و ماذاينفع المسافر الذي ودع بيتهالى غير عودة, و خلف متاعه و اثاثه, ماذا ينفع طراز فرش البيت و لونه وشكله؟؟؟
زوجها عصام العطار يرثيها في ديوان صغير باسم " رحيل " منها:
"بنان" ياجبهةَ الإسلام دامية××مازال جرحك في قلبي نزيفَ دمٍ
"بنان" ياصورة الإخلاص رائعةً ×× ويامنال الفِدى والنبل والكرم
عشنا شريدين عن أهلٍ وعن وطنٍ ×× ملاحماً من صراع النور والقيم
الكيد يرصدنا في كل منعطفٍ ×× والموت يرقبنا في كل مقتحم
والجرح في الصدر من أعدائنا نفذُ×× والجرح في الظهر من صدقاننا العدم
ماذا تقول ابنتها هادية عصام العطار عنها:
كانت أمي رحمها الله تعالى تُكْثِر من قراءة القرآن، وتكثر من الدعاء، وكانت تقرأ عندما تقرأ، وتدعو عندما تدعو، بفهمٍ وتدبّر، وخشوعٍ وتأثّر؛ وكنّا نراها أحياناً وهي مستغرقة في تلاوة القرآن، فنرى الدموع تفيض من عينيها على خَدّيها وصدرها…
وكانت - رحمها الله - تعلّمني وأخي ومن لعلّه يكون معنا الدعاء ونحن صغار.
(مذكرات الشيخ الطنطاوي_الجزء السادس)
.
ـ[إمام الأندلس]ــــــــ[20 - صلى الله عليه وسلمug-2008, صباحاً 05:00]ـ
فقفزت مبتهجة مسرورة و قالت بلهجتها السريعة الكلمات, المتلاحقة الالفاظ:
بابا كلها اصفار اصفار اصفار.
تحسب الاصفار هي خير ما ينال.
****************************** *****************
إيه إيه .. زدنا زدنا
كرر علي حديثهم يا حادي ... فحديثهم يجلو الفؤاد الصادي
ـ[طالب الإيمان]ــــــــ[20 - صلى الله عليه وسلمug-2008, صباحاً 06:54]ـ
الله المستعان
أبكيتنا يا أخي الكريم (أبا عائشة)
بارك الله فيك
ـ[إمام الأندلس]ــــــــ[21 - صلى الله عليه وسلمug-2008, مساء 04:17]ـ
¥