هذا وإن كان مبدأ رسالة الإسلام كان في بلاد العرب إلا أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة عربهم وعجمهم، قال سبحانه وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان:1}، وقال أيضاً: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {الأنبياء:107}، فالناس كلهم مطالبون بالقيام لله تعالى بهذا الدين، وعلى المسلمين أن يبذلوا الجهد في إبلاغه إلى الناس كافة. هذا ويبدو أن الأمر قد اختلط على الأخت السائلة من جهة أنها عقدت المقارنة بين العرب واليهود، فإن اليهودية دين يعتنقه العربي وغيره، بينما العرب جنس فيهم المسلم وفيهم النصراني وفيهم اليهودي. وعلى ذلك فالحكم على العرب يختلف باختلاف الدين الذي يعتنقونه، فأما المسلمون من العرب فهم خير البرية، وهم أمة الإجابة، وهم خير أمة، قال الله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ {آل عمران:110}، وقال تعالى أيضاً: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {البقرة:143}، أما اليهود الذين حرفوا دينهم وبدلوه أو من أدرك منهم محمداً صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهم أراذل الناس وهم شر البرية، ولقد ذمهم الله في أكثر من موضع في كتابه، قال تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ {المائدة:60}، وانظري سورة المائدة من الآية 56 إلى الآية 64.
وهذا ولقد كان الله قد اصطفى بني إسرائيل (في زمانهم وقبل أن يخرج أمة محمد صلى الله عليه وسلم) وجعل فيهم النبوة، وجعلهم ملوكاً، ولكنهم لما كفروا هذه النعم، وحرفوا التوراة، وتنكروا لأنبيائهم، ولما ادعو أن عزيراً ابن الله، وزعموا أن يد الله مغلولة- غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا- عندئذ استحقوا غضب الله عز وجل ولعنته ومسخهم قردة وخنازير، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، ومن بقي منهم على دينه وأدرك محمداً صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فله أجره مرتين، وانظري الفتوى رقم: 17708 ( http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=صلى الله عليه وسلم&Id=17708)
وكذلك فإن قولك (إن الإسلام أصبح حبراً على ورق) قول باطل، لأن كثيراً من المسلمين يطبقون الإسلام ويتمسكون به عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وما يشهده العالم الإسلامي من صحوة إسلامية أكبر شاهد على ذلك، ثم إن انحطاط المسلمين في بعض العصور لا شأن للإسلام به وهذا ما تقوله الأخت السائلة أيضاً، فإن المسلمين لو تمسكوا بهذا الدين ورعوه حق رعايته لكانوا في طليعة الأمم وهذا ما حصل بالفعل إذ قد عاش المسلمون يسودون الدنيا قروناً، قال الله تعالى: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {الأنبياء:10}، قال ابن عباس: أي فيه شرفكم. وقال سبحانه أيضاً عن القرآن: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ {الزخرف:44}، أي أن هذا القرآن شرف لك ولقومك.
ولقد أمر الله رسوله وأمره لرسوله أمر لأمته بالتبع فقال: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {الزخرف:43}، وقال أيضاً: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ {هود:112}، ولكن المسلمين لما لم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله -تخلفت عنهم شروط النصر، قال الله تعالى: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ {محمد:7}، وقال الله أيضاً: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}، وانظري في هذا الموضوع كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، وكتاب (هذا الدين) للأستاذ سيد قطب ثم إن رسالة الإسلام -مع كونها نزلت أول ما نزلت على العرب- إلا أنها خوطب بها العرب والعجم جميعاً، وهي رسالة الله الخاتمة للعالمين .. وإن من أمة الدعوة اليابانيين والألمان وغيرهما، وعلى ذلك فليس لأحد
¥