هل كان نفاق في مكة؟

ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[21 - Jun-2007, مساء 06:01]ـ

هذا جزء من بحث لي عن المنافقين، أعالج في هذه الجزئية نشأة النفاق ودور اليهود في ذلك، وأتعرض لعنوان الموضوع وهو: هل كان نفاقا في مكة؟

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:ـ

برز النفاق في المدينة ولم يكن له ذكر في مكة، ويذهب بعضهم ـ وهو المشهور من القول ولم أرَ غيره ـ إلى أن السبب في ذلك هو قوة الإسلام في المدينة وضعفه في مكة.

وهذا الكلام فيه نظر.!!

النفوس تتشابه، ولكل قوم وريث، ففي أي بيئة ــ تجمع بشري كبير ـــ تجد الملأ وتجد دعاة الخيِّر وتجد الإمَّعة، وتجد من يتقبل مبدأ النفاق، مَنْ يلتحق بالدعوة بحثا عن ذاته أو لقناعتهِ بها وحبهِ لها في بادئ الأمرِ ومع الفتنة ـــ بالمال أو بالتعذيب ــ يتنازل عن مبادئه ويسلك طريقا وسطا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أو يدخل في اتفاقيه مع المخالف ـ ولو ضمنيا ـ ينال بها من حمى الدين وإن ظل منتسبا إليه , ويتخذ من ماضية ومواقفه السابقة أمارة على صحة مبادئه الحديثة. وألئك منافقون، ولكن كيف يبرزون وكيف ينشطون؟

بروز النفاق يتوقف على عاملين.

أولهما: وجود الشخصية التي تتقبل هذا الوضع ـــ أن تظهر خلاف ما تبطن أو أن تسلك طريقا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء ـــ، وهي موجودة في كل تجمع بشري.

وثانيهما: وجود من يراودها ــ أو قُل من يروضها ــ حتى تحترف النفاق بمعناه العملي ... تخذيلا وتفريقا وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ونشرا للبدع بين المؤمنين.

وسمَّى الله نفرا ممن أسلموا في مكة منافقين، وفيهم نزلت ثلاث آياتٍ من كتاب الله؛ قول الله تعالى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 88] وقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) (النساء: 97)، وقول الله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:من الآية 49]

هؤلاء النفر أقبلوا على الإسلام بخطى بطيئة وقدمٍ مرتجفةٍ ووقفوا في الصف مهزوزين. صَدَّقَوا النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولم تزل تنازعهم أواصر الرحم وعُرف الآباء والأجداد، وظلَّوا هكذا بين هؤلاء وهؤلاء، حتى جاء ت الهجرة فقعدوا إيثارا للأهل والدار ولم يهاجروا، أو هاجروا وعادوا، ويوم بدر .. يوم الفرقان .. يوم التقى الجمعان .. حزب الرحمن وحزب الشيطان .. خرج نفر منهم في صف أولياء الشيطان يقاتلون أولياءَ الرحمن بدعوى الإكراه كما ادعوا.وقفوا في صفوف الكافرين ينظرون للمؤمنين ويسخرون (غرًًًًًً هؤلاء دينهم) هذا وهم يتكلمون بالإسلام.!

وأعرض على حضراتكم سبب النزول لتستبينَ منه حال هذه النفسية.

أولا: سبب نزول قول الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 88]

جاء في تفسير القرطبي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: أنهم قوم آمنوا بمكة وتركوا الهجرة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015