لقد انسكب الحزن في داخل نازك الملائكة كانسكاب السّائل في الدّورق الشّفيف، فحينما نقرأ شعر نازك الملائكة نبصر هذا الحزن في داخلها المرسوم عبر الكلمات، وكأنّنا أمام مواجهة بين الذّات والموضوع، بل أمام تفاعل خلاّق، تفاعُل تبادل فيه الطّرفان الأدوار، حيث يجسّد الحزن في هاته الحالة نوعاً من مواجهة الذّات، وهو في الآن ذاته موقف شعريّ من الوجود والموجودات، يُفعّل عندما تبدو حدّة المفارقات بين ما تتغيّا الذّات وما تصل إليه.

ان الدارس لشعر نازك يلاحظ في شعر ها إبداعاً مفعماً بالتّجارب الشّعوريّة المليئة بالحزن الشّفيف الذي جاء على شكل صور متراكمة متضامّة تجلّت من خلال بناء اللّغة الشّعريّة: مفردةً وجملةً وسياقاً، كما تجلّت عبر الأساليب البلاغيّة، و الإيقاع الشّعريّ بنوعيه الدّاخليّ والخارجيّ ... فمن يقرأ شعرها يحسّ بإيقاع الكلمات وكأنّه يستمع إلى أزيز سهمٍ يخترق الفضاء فيمزّق الصّمت ليترك صدىً في دواخل الذّات المتلقّية فيحرّك المشاعر ويهزّها هزّاً عنيفاً يجعل المتلقّي وكأنّه يعيش حالة الحزن هاته.

من هنا كانت كلمات نازك الملائكة نموذجاً إنسانيّاً حافلاً بالوجع الشّعريّ الذي لا يقدر على تلمّس أبعاده وتجسيدها على الورق إلاّ من يملك قدرة إبداعيّة متميّزة، وكان ذلك كلّه متمثّلاً في نازك الملائكة إنسانةً وشاعرة تظلّ في كلّ مرّةٍ يقترب منها القارئ متمنّعة عن الإفصاح، فيشعر القارئ ببعده لأنّه يعيش في عالم شعريّ يظلّ رافلاً بغموضه، مطالباً بالكشف والإنصات وإظهار معالم الحزن فيه.

نا زك الملائكة إلى جانب كونها شاعرة رائدة فإنها ناقدة متميزة، وقد صدر لها

قضايا الشعر الحديث.

التجزيئية في المجتمع العربي، و هي دراسة في علم الاجتماع.

سايكولوجية الشعر.

الصومعة و الشرفة الحمراء.

كما صدر لها في القاهرة مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمة"

ومن قصائدها الشعرية الرائعة نقتطف هذه المقطوعة-

الشهيد

في دجى الليل العميق

راسه النشوان ألقوه هشيما

وأراقوا دمه الصافي الكريما

فوق أحجار الطريق

...

وعقابيل الجريمة

حمّلوا أعباءها ظهر العمود

ثم ألقوه طعاما للحّود

ومتاعا وغنيمة

...

وصباحا دفنوه

وأهالوا حقدهم فوق ثراه

عارهم ظنّوه لن يبقى شذاه

ثم ساروا ونسوه

...

والليالي في سراها

شهدت ما كان من جهد ثقيل

كلّما غطّوا على ذكرى القتيل

يتحدّاهم شذاها

...

حسبوا الإعصار يلوى

إن تحاموه بستر أو جدار

ورأوا أن يطفئوا ضوء النهار

غير أنّ المجد أقوى

...

ومن القبر المعطّر

لم يزل منبعثا صوت الشهيد

طيفه أثبت من جيش عنيد

جاثم لا يتقهقر

******************************

وسيبقى في ارتعاش

في أغانينا وفي صبر النخيل

في خطى أغنامنا فيكلّ ميل

من أراضيناالعطاش

...

فليجنّوا إنأرادوا

دونهم .. وليقتلوهألف قتله

فغدا تبعثه أمواهدجله

وقراناوالحصاد

...

يا لحمقىأغبياء

منحوه حين أردوهشهيدا

ألف عمر , وشبابا , وخلودا ,

وجمالا , ونقاء

...

إنّه عادنبيّا

وهو قد أصبح ناراتتحرّق

في أمانينا وثأرايتشوّق

وغدا يبعث حيا

فالح نصيف الحجية

الكيلاني

موقع اسلام سيفلايزيشن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015