الدكتورة عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطئ "

جولة واسعة جليلة مع

أرض المنبع الروحي المقدّس التي بزغ منها نور الهدي والإيمان ليتحرّر الإنسان من ظلم الجاهلية والطغيان ...

أرض المعجزات التي شهد لها التاريخ بماضيها التليد ليحجّ إليها من كل فجّ عميق، وتكون مهوى أفئدة المسلمين، وقبلتهم إلى آخر الزمان ...

لقاءً تاريخيًا، ورحلةً عظيمةً تجلّت فيها حرمة المكان الآمن التي بزغت منه آيات العلم والنور والإيمان ....

أرض الأمن والخيرات التي خصّت أهلها ومن عليها من طير، وعشب،وشجر، وحيوان بالرزق والأمان؛ وقد أقسم بها ذو الجلال والإكرام

" وهذا البلد الأمين " ...

هناك عند الوادي الذي امتلأ بحشود المسلمين ملبيّن في ضراعة وخشوع وتعظيم

لبيّك اللهم لبيّك

عادت بنا بنت الشاطئ لتروي لنا قصتها بعد أن طافت بالبيت الحرام سبعًا، وخرجت تسعى ما بين الصفا والمروة لتجد روحها تهفو إلى هناك ... إلى درَج المروة وكأنها تلمح طيف تلك المرأة الصالحة سيّدة المتوكلات التي خرجت من مصر برفقة زوجها مع رضيعها طريدة مضطهدة؛ لا ذنبًا لها سوى أنها اختارتها سيدتها لتكون شريكة لها في زوجها ليهبه الله ذريةً صالحةً منها ....

((غير أني لم أكد أجلس على درَج " المروة " الصخرى وأرى الساعين يهرولون أمامي داعين مكبرين، حتى توارت مشاهد ذاك التاريخ الإسلامي، ولم أعد ألمح سوى طيف " هاجر " وهي تهرول في هذا الوادي باحثة عن قطرة ماء لتروي غلّة طفلها الغالي " إسماعيل ":

خرجت به من خيام أبيه إبراهيم – عليه السلام – طريدة منبوذة، كل ذنبها أنها رُزقت غلامًا، وسيدّتها " سارة "، امرأة إبراهيم، عاقر عقيم! .... )) ..... (1)

زوجها سيتركها وأين!!!!؟؟؟؟ ...

في أرض لا ماء فيها ولا مرعى ... ولا طير ولا زرع ... كل ما حولها حجارة صلدة صمّاء تنذر بالموت والهلاك إذا ما رضي لها زوجها أن يتركها مع وليدها في ذلك المكان القفر الموحش ..

عاطفة الأمومة المشبوبة سرعان ما تأججت داخلها حينما ولّى زوجها عنها دون أن يلتفت لها؛ تناديه بحرقة وألم إلى من ستتركنا أنا ورضيعي ... !!!؟؟ ..

((وأعادت سؤالها مرة، واثنتين وثلاثًا، وهو منصرف عنها صامت لا يجيب!

ولم يبق لها إلا أن تتساءل:

-آلله أمرَكَ بهذا؟!

وعندئذ أجاب إبراهيم: نعم.

ولم يزد ...

قالت هاجر: إذن فالله لا يضيّعنا)) (2)

أسلمت أمرها لله سيدة المتوكلات الزوجة الصابرة والأمّ الحنون، وعلمت يقينا أنّ حسبها وكافيها هو الله ولن يضيّعها؛ حتى وإن تركها زوجها أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام – ...

وما إن رحل عن زوجه وابنه إلا وأراد أن يخصّ أهله بالدعاء، فيرفع يديه للسماء مناجيا ربّه لتبقى دعوته المباركة ممتدة بأثرها فتتجاوز حدود الزمان والمكان والإنسان ...

وكما جاء في صحيح البخاري

عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس:

" أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا ليعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتى [وضعها] عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعها هنالك، ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال:

(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) حتى بلغ (يشكرون) وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي هل تنظر أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف (درعها)،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015