عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير (حافظ إبراهيم) وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعره للوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن،
فيهتف فيهم قائلاً:
الام الخلف بينكم الاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما
واين الفوز لامصر استقرت
على حال ولا السودان داما
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة
مطلعها:
قفي يااخت يوشع خبرينا
احاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا
ومن دولاتهم ما تعلمينا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي،
ومنها هذه الابيات \
بني سورية اطرحوا الاماني
وألقوا عنكم الاحلام ألقوا
وللاوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، او قل دولة الخلافةالاسلامية في هذا العالم الواسع فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن (مصطفى كمال أتاتورك) الزعيم التركي إلغاء الخلافة الاسلامية في تركيا واعلنها جمهورية تركيا سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية حزينة تفتت الكبد الحر الحريص على الاسلام والدين الاسلامي مطلعها:
عادت اغاني العرس رجع نواح
ونعيت بين معالم الافراح
كفنت في ليل الزفاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الاصباح
ضجت عليك ماذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
أصبح شوقي بعد عودته من المنفى شاعر الأمة المُعبر
عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية في القاهرة بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه (الشوقيات). وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه،
وأعلن في هذا الحفل الشاعر حافظ إبراهيم باسمه ونيابة عن كل الشعراء والادباء العرب الحاضرين مبايعتهم احمد شوقي بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر امير الدولتين ورجعي
اعيدي الاسماع ماغردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
امير القوافي قد ا تيت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وبهذا اصبح شوقي اميرا للشعراء
ولم يكن لهم ا مير قبل ذلك
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
¥