من عيون خطب العرب

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[07 - Nov-2010, مساء 03:05]ـ

من خطب العرب

حظيت الخطابة بمكانة مرموقة، وأهمية بالغة، ومنزلة رفيعة عند العرب وقد أولوها عناية فائقة منذ العصر الجاهلي، وحتى يومنا هذا، والخطابة من وسائل السيادة والزعامة وكانوا يعدونها شرطا للإمارة، وبها يرتفع الإنسان إلى ذرا المجد والشرف فقلما ارتفع نجم سيد من سادة العرب إلا والخطابة صفة من صفاته وسجية من سجاياه

ولا عجب إن قلت: إن الخطيب البارع يزاحم الشاعر المجيد، وذلك لأن الخطبة لا تقل أهمية عن الشعر فكما كان لكل قبيلة شاعر أو أكثر ينطق بلسانها، ويصدح بأمجادها، ويشدو بمحاسنها، ويدافع عن حماها، ويذب عن حوضها، ويتعرض لمن يتجرأ عليها فيرد كيده إلى نحره، كان لكل قبيلة خطيب أو أكثر يدافع عنها، ويشيد بمحاسنها، ويتغنى بصفاتها ومآثرها، وقد تفوقت بعض القبائل على غيرها في هذا المجال، فاحتلت الصدارة قبيلة تميم بفضل خطيبها أكثم بن صيفي، وقبيلة إياد بفضل خطيبها قس بن ساعدة.

وللخطبة تعريفات كثيرة أوجزها في هذا التعريف: فن نثري لساني يلقيه الخطيب مشافهة في جمهور من المستمعين لإقناعهم واستمالتهم والتأثير فيهم.

ولا بد للخطبة من مناسبة تحدد مضمونها وتشجع الخطيب على إلقائها ومن أشهر أغراضها ومواطن قولها:

المنافرات والمفاخرات، والنصح والإرشاد، والحث على قتال الأعداء، وفي الدعوة إلى السلم وحقن الدماء، والإصلاح بين المتنازعين، وفي التأبين والعزاء، وفي المناسبات الدينية والاجتماعية.

ومن أهم سماتها:

الوحدة الموضوعية والتركيز على الفكرة

ألا تكون قصيرة مخلة ولا طويلة مملة

استخدام الجمل القصيرة مع قلة الربط بين الجمل حتى تكاد تنقطع الصلة بين جملة وأخرى

اشتمالها على المحسنات البديعية وعلى رأسها السجع الذي يأتي عفو الخاطر فإن لم تكن الجمل مسجوعة كانت مقسمة متوازنة.

أن تكون مناسبة لجميع المستمعين على اختلاف مستوياتهم إذ إن الخطيب لا يخاطب فئة معينة

التركيز على الجمل الإنشائية المثيرة لشد الجمهور.

الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحكم والأمثال والقصص التاريخية.

والآن هيا بنا أيها الأفاضل وأيتها الفضليات نجمع طائفة من عيون خطب العرب على مدار العصور، ونبدأ بالعصر الجاهلي راجيا منكم الالتزام بالتسلسل الزمني، فعندما نستوفي أشهر الخطب الجاهلية ننتقل إلى العصر الإسلامي وهكذا

وكلي أمل بأن تشرق هذه النافذة بمساهماتكم القيمة واختياراتكم الموفقة.

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[07 - Nov-2010, مساء 03:13]ـ

1 - خطبة قس بن ساعدة الإيادي

خطب قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ فقال: أيها الناس اسمعوا وعوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة

إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؛ أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا، يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه، إن لله دينا هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرا. ويروي أن قسا أنشأ بعد ذلك يقول:

في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر

لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر

أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[07 - Nov-2010, مساء 03:14]ـ

2 - خطبة لأكثم بن صيفي التميمي

قال أكثم بن صيفي: يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي، إن بين حيزومي وصدري لبحراً من الكلم، لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بأسماع صافية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها: إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروية مقيدة، ومن يجهل التواني، ويترك الروية يتلف الحزم.

ولن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن، ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، ولا يجاوز ضره نفسه.

يا بني تميم: الصبر على جرع الحلم، أعذب من جني ثمر الندم، ومن جعل عرضه دون ماله، استهدف الذم، وكلم اللسان، أنكى من كلم الحسام، والكلمة مزمومة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع محرب، أو نار تلهب، ولكل خافية مختفٍ، ورأى الناصح اللبيب دليل لا يجور، ونفاذ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن والضرب.

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[07 - Nov-2010, مساء 04:03]ـ

3 - خطبة هاشم بن عبد مناف يحث قريشا على إكرام زوار بيت الله الحرام

كان هاشم بن عبد مناف يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول:

يا معشر قريش، أنتم سادة العرب، أحسنها وجوها، وأعظمها أحلاما، وأوسطها أنسابا، وأقربها أرحاما،

يا معشر قريش، أنتم جيران بيت الله، أكرمكم بولايته، وخصكم بجواره دون بني إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد، فورب هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتكموه، ألا وإني مخرج من طيب مالي وحلاله؛ ما لم يقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم، ولم يدخل فيه حرام فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج رجل منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبا؛ لم يؤخذ ظلما، ولم يقطع فيه رحم، ولم يغتصب.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015