جعلنا إله العرش نصب عيوننا ... ومَنْ دونه خلف الظهور نبذناه

وسرنا نشق البيد للبلد الذي ... بجهد وشق للنفوس بلغناه

رجالاً وركبانا على كل ضامر ... ومن كل ذي فج عميق أتيناه

نخوض إليه البر والبحر والدجى ... ولا قاطع إلا وعنه قطعناه

ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا ... فتمسي الفلا تحكي سجلاً قطعناه

ولا صدنا عن قصدنا فقد أهلنا ... ولا هجر جار أو حبيب ألفناه

وأموالنا مبذولة ونفوسنا ... ولم نبق شيئاً منهما ما بذلناه

عرفنا الذي نبغي ونطلب فضله ... فهان علينا كل شيء بذلناه

فمن عرف المطلوب هانت شدائد ... عليه ويهوى كل ما فيه يلقاه

فيا لو ترانا كنت تنظر عصبة ... حيارى سكارى نحو مكة وُلاه

فلله كم ليل قطعناه بالتسرى ... وبر بسير اليعملات بريناه

وكم من طريق مفزع في مسيرنا ... سلكنا وواد بالمخاوف جزناه

ولو قيل إن النار دون مزاركم ... دفعنا إليها والعذول دفعناه

فمولى الموالي للزيارة قد دعا ... أنقعد عنها والمزور هو الله

ترادفت الأشواق واضطرم الحشا ... فمن ذا له صبر وتضرم أحشاه

وأسرى بنا الحادي فأمعن في السرى ... وولى الكرى نوم الجفون نفيناه

الإحرام من الميقات

ولما بدا ميقات إحرام حجنا ... نزلنا به والعيس فيه أنخناه

ليغتسل الحجاج فيه ويحرموا ... فمنه نلبي ربنا لا حرمناه

ونادى مناد للحجيج ليحرموا ... فلم يبق إلا من أجاب ولباه

وجردت القمصان والكل أحرموا ... ولا لبس لا طيب جميعاً هجرناه

ولا لهو ولا صيد ولا نقرب النسا ... ولا رفث لا فسق كُلاً رفضناه

وصرنا كأموات لففنا جسومنا ... بأكفاننا كل ذليل لمولاه

لعل يرى ذل العباد وكسرهم ... فيرحمهم رب يرجون رحماه

ينادونه: لبيك لبيك ذا العلا ... وسعديك كل الشرك عنك نفيناه

فلو كنت يا هذا تشاهد حالهم ... لأبكاك ذاك الحال في حال مرآه

وجوههم غبر وشعث رءوسهم ... فلا رأس إلا للإله كشفناه

لبسنا دروعاً من خضوع لربنا ... وما كان من درع المعاصي خلعناه

وذاك قليل في كثير ذنوبنا ... فيا طالما رب العباد عصيناه

إلى زمزم زمت ركاب مطينا ... ونحو الصفا عيس الوفود صففناه

نؤم مقاماً للخليل معظماً ... إليه استبقنا والركاب حثثناه

ونحن نلبي في صعود ومهبط ... كذا حالنا في كل مرقى رقيناه

وكم نشز عال علته رفودنا ... وتعلو به الأصوات حين علوناه

نحج لبيت حجه الرسل قبلنا ... لنشهد نفعاً في الكتاب وعدناه

دعانا إليه الله قبل بنائه ... فقلنا له لبيك داع أجبناه

أتيناك لبيناك جئناك ربنا ... إليك هربنا والأنام تركناه

ووجهك نبفي أنت للقلب قبلة ... إذا ما حججنا أنت للحج رمناه

فما البيت ما الأركان ما الحجر ... ما الصفا وما زمزم أنت الذي قد قصدناه

وأنت منانا أنت غاية سولنا ... وأنت الذي دنيا وأخرى أردناه

إليك شددنا الرحل نخترق الفلا ... فكم سُدَّ سَدُّ في سواد خرقناه

كذلك ما زلنا نحاول سيرنا ... نهارا وليلاً عيسنا ما أرحناه

إلى أن بدا إحدى المعالم من منى ... وهب نسيم بالوصال نشقناه

ونادى بنا حادي البشارة والهنا ... فهذا الحمى هذا ثراه غشيناه

رؤية البيت

وما زال وفد الله يقصد مكة ... إلى أن بدا البيت العتيق وركناه

فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا ... وكبرت الحجاج حين رأيناه

وقد كادت الأرواح تزهق فرحة ... لما نحن من عظم السرور وجدناه

تصافحنا الأملاك من كان راكبا ... وتعتنق الماشي إذا تتلقاه

طواف القدوم

فطفنا به سبعاً رملنا ... وأربعة مشينا كما قد أمرناه

كذلك طاف الهاشمي محمد ... طواف قدوم مثل ما طاف طفناه

وسالت دموع من غمام جفوننا ... على ما مضى من إثم ذنب كسبناه

ونحن ضيوف الله جئنا لبيته ... نريد القرى نبغي من الله حسناه

فنادى بنا أهلا ضيوفي تباشروا ... وقروا عيونا فالحجيج قبلناه

غدا تنظروني في جنان خلودكم ... وذاك قراكم مع نعيم ذخرناه

فأي قرى يعلو قرانا لضيفنا ... وأي ثواب مثل ما قد أثبناه

وكل مسيء قد أقلنا عثاره ... ولا وزر إلا عنكم قد وضعناه

ولا نصب إلا وعندي جزاؤه ... وكل الذي أنفقتموه حسبناه

سأعطيكم أضعاف أضعاف مثله ... فطيبوا نفوساً فضلنا قد فضلناه

فيا مرحبا بالقادمين لبيتنا ... إلى حججتم لا لبيت بنيناه

علي الجزا مني المثوبة والرضى ... ثوابكم يوم الجزا أتتولاه

فطيبوا سروراً وافرحوا وتباشروا ... وتيهوا وهيموا بابنا قد فتحناه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015