كان البارودي في شعره السياسي ناقداً اجتماعياً وثائراً وطنياً ومصلحاً صريحاً شديد الحرص على حرية أبناء بلده ناقداً لهوانهم وذلهم وتهاونهم في الرد على الظلم والسكوت عليه لاحظ اليه يقول:

وكيف ترون الذل دار إقامة

وذلك فضل الله في الأرض واسعُ

أرى رؤوساً قد أينعت لحصادها

فأين ـ ولا أين ـ السيوف القواطعُ؟

فكونوا حصيدا خامدين أو افزعوا

إلى الحرب حتى يدفع الضيم دافع

أهبت فعاد الصوت لم يقض حاجة

أليّ ولبّاني الصدى وهو طائعُ

فلم ادرِ أن الله صور قبلكم

تماثيل يخلق لهن مسامعُ

وكثيرا ما تغنى بمصر وجمالها وسحرها لاسيما في المنفى إذ ظلت تلك القصائد تؤكد مشاعره تجاه احبته و وطنه وامته انظر اليه يقول:

فيا (مصر) مدّ الله ظلك وآرتوى

ثراك بسلسال من النيل دافقِ

ولا برحت تمتار منك يد الصبا

أريجا يداوي عرفه كل ناشقِ

فانت حمى قومي ومشعب أسرتي

وملعب أترابي، ومجرى سوابقي

بلاد بها حل الشباب تمائمي

وناط نجاد المشرفيّ بعانقي

امتازت مراثي البلاد عند البارودي بصدق الإحساس ورقة العاطفة لذا فانه لم يرث صديقاً أو قريباً إلا كان رثاؤه صادقاً بعيداً عن شعر المناسبات، ويبدو على شعره الحزن العميق بعد أن تسلم خبر وفاة زوجته وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي في رثاء الزوجات يقول:

أَيَدَ المنون قدحت أي زناد

أطرت أية شعلة بفؤادي

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق

وحطمت عودي وهو رمح طراد

لا ادري هل خطب ألم بساحتي

فأناخ، أم سهم أصاب سوادي؟

أقذى العيون فأسبلت بمدامع

تجري على الخدين كالفرصاد

ما كنت احسبني أراع لحادث

حتى منيت به فأوهن آدي

أبلتني الحسرات حتى لم يكد

جسمي يلوح لأعين العوّاد

استنجد الزفرات وهي لوافح

وأسفه العبرات وهي بوادي

بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم احمد شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الأحياء".

ولم تطل الحياة بالبارودي بعد عودته من المنفى اذ توفته المنية في 4 من شوال 1322هـ، 12 من ديسمبر 1904م، بعد سلسلة من الكفاح والنضال.

ويعد البارودي باعث النهضة الشعرية الحديثة في الشعر العربي، فقد نجح في تحميل الإطار القديم تجارب حياته الخاصة، كما نجح في إعادة الشعر العربي إلى ما كان عليه في عصوره الزاهرة، فأضحى شعره يماثل شعر الفحول في صدر العصر العباسي. كابي تمام والبحتري والمتنبي وساعده ذكاؤه الحاد وموهبته الفذة على تحقيق هذا الهدف بمعارضة الشعراء الأقدمين وتقليد أساليبهم , ومعانيهم الشعرية في بناء القصيدة، وبذلك أصبح رائد حركة إحياء الأدب العربي الحديث، وكان عظيم التأثير في المدارس الشعرية التي اتت من بعده،وفي شعره تلاحظ تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.

وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي ..

وان شعره تلاحظ فيه تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.

وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.

وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها "كشف الغمة"، وله أيضًا "قيد الأوابد" وهو كتاب في النثر سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، و"مختارات البارودي" وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعر العباسي، يبلغ نحو 40 ألف بيت.

ومن جميل قصائده هذه القصيدة\

محا البينُ ما أبقتْ عيون المها مني

فشِبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني

عناءٌ، ويأسٌ، واشتياقٌ وغربةٌ

ألا، شدَّ ما ألقاه في الدهر من غبنِ

فإن أكُ فارقتُ الديار فلي بها

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015