وفي الحياة العملية المهنية ترى صاحب الشهادة الشرعية من سقط المتاع عند الجهال، وإن بالغ في الاجتهاد في عمله، وفي الإزاء الآخر تراهم يحتفون بذوي التخصصات الدنيوية وإن كان ساقطًا فاجرًا، فيكاد سوء الظن بالعلم أن ينفذ إلى النفس، لكن أشهد الله تعالى أن لبيت العلامة محمد بن حنبل الشنقيطي أثرًا كبيرًا يُطيش بكل وسواس يعتريني تجاه العلم، وأعني بذلك قوله:
لا تسئ بالعلم ظنا يا فتى ... إن سوء الظن بالعلم عطب
في أبيات أخرى من أجمل ما يكون.
وكذلك لأبي طَالِبٍ أحمد بن مُسَلَّمٍ اللَّخْمِيّ أبيات إذا قرأتها تذرني في عجب كما حصل لقائلها من دنياه، قال - رحمه الله -:
أَوَمَا عَجِيْبٌ جِيْفَةٌ مَسْمُوْمَةٌ ** وَكلاَبُهَا قَدْ غَالَهُم دَاءُ الكَلَبْ
يَتذَابحُوْنَ عَلَى اعترَاقِ عِظَامهَا ** فَالسَّيِّدُ المرهوبُ فِيهِم مَنْ غَلَبْ
هذِي هِيَ الدُّنْيَا وَمَعْ عِلمِي بِهَا ** لَمْ أَسْتطِعْ تركاً لَهَا يَا لِلْعَجَبْ!
ولعلي أطلتُ جدًّا ... لكن أختم بقصة وقعتْ لي مع زميل من خيرة طلبة العلم، كان ساكنا معي في السكن الجامعي، وكنتُ أحيانًا أُلْصِقُ بالجدار الذي بجوار فراشي ورقة أكتب فيها بعض الآثار أو الأبيات، فكنتُ تلك المرة كتبتُ بيت العلامة حافظ الحكمي:
واجهد بعزم قوي لا انثناء له ... لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
وجئنا صباح يوم فرأيتُه وضع رأسه في مكاني و وضعت رأسي في مكان آخر، ورأيته ولم يأته النوم، ثم بعد قرابة عشر دقائق قال لي: سبحان الله ... هذا البيت (يُطَيِّرُ) النوم.
قلت: أما أنا فطال موضع البيت بجواري حتى كاد أن ينام معي أحيانا!!
على كل: في أكبر ظني أن هذه الفكرة تحقق جزءا من معنى الحديث النبوي، وتدفع القارئ إلى التفكر في الحكمة الشعرية، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم تراه يتمثل بشطر ليس فيه كبير شيء مما يطرب له الناس اليوم، كما جاء في الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها – أنه قيل لها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويتمثل ويقول ويأتيك بالأخبار من لم تزود. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وصححه الألباني. وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
وأتأسف من الإطالة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.