(و الملك صفا صفا) و تجيء الملائكة الكرام , أهل السماوات كلهم , صفا بعد صف , كل سماء يجيء ملائكتها صفا , يحيطون بمن دونهم من الخلق , و هذه الصفوف صفوف خضوع و ذل للملك الجبار.
(و جيء يومئذ بجهنم) تقودها الملائكة بالسلاسل , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام , مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ". رواه مسلم.
(يومئذ يتذكر الإنسان) ما قدمه من خير و شر.
(و أنّى له الذكرى) أي: و كيف تنفعه الذكرى؟ فقد فات أوانها , و ذهب زمانها.
ثم يقول متحسرا على ما فرط في جنب الله (ياليتني قدمت لحياتي) يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي – إن كان عاصيا – و يود لو كان ازداد من الطاعات – إن كان طائعا – كما روى الإمام أحمد بن حنبل عن محمد بن أبي عَميرة – و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم – قال: " لو أن عبدًا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرمًا في طاعة الله , لََحَقِرَهُ يوم القيامة , و لودَّ أنه يُردَّ إلى الدنيا كيْما يزداد من الأجر و الثواب ". إسناده صحيح.
و في الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها و كمالها , و في تتميم لذَّتها , هي الحياة في دار القرار , فإنها دار الخلد و البقاء.
(فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) أي: ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه.
(و لا يوثق وثاقه أحد) أي: و ليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم , عز و جل , فإنهم يقرنون بسلاسل من نار , و يسحبون على وجوههم في الحميم , ثم في النار يسجرون , فهذا جزاء المجرمين من الخلائق الظالمين.
و أما من اطمأن إلى الله و آمن به و صدق رسله , فيقال له:
(يا أيتها النفس المطمئنة) إلى صادق وعد الله ووعيده في كتابه و على لسان رسوله فآمنت و اتقت و تخلت عن الشرك و الشر فكانت مطمئنة بالإيمان و ذكر الله قريرة العين بحب الله و رسوله و ما وعدها الرحمن.
(إرجعي إلى ربك) إلى جواره و ثوابه و ما أعد لعباده في جنته.
(راضية مرضية) راضية عن الله , و عن ما أكرمها به من الثواب , و الله قد رضي عنها.
(فادخلي في عبادي) أي في جملة عبادي الصالحين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.
(و ادخلي جنتي) و هذا يقال لها عند الإحتضار , و في يوم القيامة , كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره و عند قيامه من قبره , و كذلك ها هنا.
ـ[عبدالحي]ــــــــ[26 - Feb-2008, مساء 02:35]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة الغاشية
مكية و آياتها ست و عشرون آية
(هل أتاك حديث الغاشية) هذا خطاب من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه و سلم يقول فيه هل أتاك نبأ الغاشية – و هي من أسماء يوم القيامة – و خبرها العظيم وحديثها المهيل المخيف , إن لم يكن أتاك , فقد أتاك الأن , إنه حديث القيامة التي تغشى الناس بأهوالها و صعوبة مواقفها و اشتداد أحوالها , و إليك عرضا سريعا لبعض ما يجري فيها:
(وجوه يومئذ خاشعة) من الذل و الفضيحة و الخزي , و هي وجوه أهل الكفر بالحق و الجحود له.
و ذكر الوجوه هنا كناية عن أصحابها إذ يطلق الوجه و يراد به الذات.
(عاملة ناصبة) تاعبة في العذاب من جر السلاسل و الأغلال , و تكليف أشق الأعمال.
(تصلى نارا حامية) أي تدخل نارا متناهية في الحرارة , تحيط بهم من كل مكان.
(تسقى من عين آنية) أي بلغت غايتها في شدة الحر , قال تعالى " و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه " فهذا شرابهم.
(ليس لهم طعام إلا من ضريع) و هو من جنس الشوك , قبيح اللون خبيث الطعم منتن الريح , ترعاه الإبل مادام رطبا , فإذا يبس تحامته , و هو سم قاتل. قال ابن جرير: الضريع عند العرب نبت يقال له الشِبْرِق , و تسميه أهل الحجاز الضريع , إذا يبس.
و لا منافاة بين هذه الآية و آية " و لا طعام إلاّ من غسلين " لأن العذاب ألوان , و المعذبون طبقات , فمنهم أكلة الزقوم , و منهم أكلة الغسلين , و منهم أكلة الضريع.
(لا يسمن و لا يغني من جوع) لا يحصل به مقصود , و لا يندفع به محذور , فلا يخصب بدن , و لا يسكن داعية النفس و لا نهمها من أجله.
¥