(و ليال عشر) هي العشر الأول من شهر ذي الحجة , و فيها الأضحى , و الوقوف بعرفة , الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان , فما رُئِي الشيطان أحقر و لا أدحر منه في يوم عرفة , لما يرى من تَنَزُّل الأملاك و الرحمة من الله لعباده , و يقع فيها كثير من أفعال الحج و العمرة , و هذه أشياء معظمة , مستحقة لأن يقسم الله بها. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام "- يعني عشر ذي الحجة - قالوا: و لا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " و لا الجهاد في سبيل الله , إلا رجلا خرج بنفسه و ماله , ثم لم يرجع من ذلك بشيء ". رواه البخاري.

(و الشفع و الوتر) قال ابن جرير: و الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذِكره أقسم بالشفع و الوتر , و لم يخصص نوعا من الشفع و لا من الوتر , دون نوع , بخبر و لا عقل , و كل شفع و وتر , فهو مما أقسم به. مما قاله أهل التأويل أنه داخل في قسمه هذا , لعموم قسمه بذلك.

(و الليل إذا يسر) مقبلا أو مدبرا فهو بمعنى و الليل إذا سار و السير يكون صاحبه ذاهبا أو آيبا.

(هل في ذلك قسم لذي حجر) أي: لذي عقل و لب و حجا و دين , و إنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال و الأقوال. قال ابن جرير: أي: هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مقنع لذي حجر. و إنما عُني بذلك: أن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه , مما هو أغلظ منه في الأقسام.

(ألم تر كيف فعل ربك بعاد) ألم تعلم علما يقينيّا كيف عذب ربك عادا , فيعذب هؤلاء أيضا , لاشتراكهم فيما يوجبه من جحود الحق و المعاصي. و عاد قبيلة من العرب البائدة , و تلقب بإرم أيضا , كانوا متمردين عتاة جبارين , خارجين عن طاعته مكذبين لرسله , جاحدين لكتبه , فذكر تعالى كيف أهلكهم و دمرهم , و جعلهم أحاديث و عبر , و هؤلاء عاد الأولى هم أولاد عاد بن إرم بن عَوص بن سام بن نوح , قاله ابن إسحاق و هم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام , فكذبوه و خالفوه , فأنجاه الله من بين أظهرهم و من آمن معه منهم , و أهلكهم بريح صرصر عاتية " سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية , فهل ترى لهم من باقية ". و قد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع , ليعتبر بمصرعهم المؤمنون.

(ذات العماد) كانوا يسكنون بيوت الشَّعر التي ترفع بالأعمدة الشداد لأنهم ينتجعون الغيوث و ينتقلون إلى الكلأ حيث كان , ثم يرجعون إلى منازلهم في الأحقاف في حضر موت.

(التي لم يُخلق مثلها في البلاد) أي في العِظم و البطش و الأيدي , فقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة و أقواهم بطشا , و لهذا ذكَّرهم هود عليه السلام بتلك النعمة و أرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال: " و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح و زادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تُفلحون ". و قال تعالى " فأمّا عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق و قالوا من أشدُّ منّا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوة ".

(و ثمود) هم قوم صالح عليه السلام.

(الذين جابوا الصخر بالواد) أي قطعوا صخر الجبال , واتخذوا فيها بيوتا لهم و مساكن تقيهم برد الشتاء القارص و حر الصيف اللافح , قال تعالى " و كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ءامنين " , و المراد بالواد واديهم الذي كان بين جبلين من جبالهم التي ينحتون منها البيوت و هو وادي القرى.

(و فرعون ذي الأوتاد) أي الجنود الذين يشدون له أمره , أو هي أوتاد يشد بها من يعذّبه إذ كان له أربعة أوتاد إذا أراد قتل من كفر به و خرج عن طاعته قيد كل يد بوتد و كل رجل بوتد و يقتله , أو هي القوى و العَدد و العُدد التي تم له بها ملكه , و رسخ بطشه و سلطانه.

(الذين طغوا في البلاد) هذا الوصف عائد إلى عاد و ثمود و فرعون و من تبعهم , فإنهم طغوا في بلاد الله , و آذوا عباد الله , في دينهم و دنياهم , و لهذا قال " فأكثروا فيها الفساد "

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015