فأقول: إن النفي والاستفهام على الرغم من كثرة من قال إنهما مسوغان فليس الأمر على إطلاقه، فليس كل نفي واستفهام يصلح لأن يقع بعده المبتدأ نكرة، والضابط في هذا أخي الحبيب هو كما ذكر ابن هشام أن يفيدا العموم، فلو قلت مثلا: ما ليل طويل، وما شجرة جميلة، وهل فتىً قائم، وهل ولد لاعب؟ هل هذا يعتبر كلاما مفيدا، بالطبع لا، فمثله مثل: ليل طويل، وشجرة جميلة، وفتىً قائم، وولد لاعب.

ولو قلت: هل أحد قائم؟ فقلت: رجل قائم. فهذا كلام مفيد، مع أن الجملة الثانية ليس فيها من مسوغات الابتداء شيء، هذا هو الظاهر، ولكن حقيقة الأمر أن الجملة الأولى فيها عموم دل عليه الاستفهام، وفي الثانية تخصيص لهذا العموم بذكرك رجلا واحدا، فهذا الذي سوغ الابتداء بالنكرة فيهما.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أغير من الله)، وقول الشاعر: وهل داء أمر من التنائي فالعموم فيهما ظاهر.

وخلاصة القول أخي الكريم: أني أفضل القول بأن العموم والخصوص من مسوغات الابتداء بالنكرة، وليس النفي والاستفهام، وهذا هو قول ابن هشام لو تأملت - مع أنه مثل بالنفي والاستفهام.

وقد أعجبني قولك: وكل المسوغات التي ذكرها ابن عقيل ترجع إلى الضوابط التي ذكرها ابن هشام.

ثم إن في قولك: (فمسوغ الابتداء بالنكرة فيما ذكره ابن مالك كونها جارا ومجرورا، أو ظرفا) شيئا إذ على أي شيء يعود الضمير في كلمة كونها على النكرة أم على الخبر؟

مثل هذه الأخطاء لو تدبرت في كلامي كثيرة، وقد كنت أقصد: كون الخبر.

خلاصة القول ـ يا أخي ـ أن الذي سوغ الابتداء في مثل: في الدار رجل هو تقدم الخبر وهو جار ومجرور وجوبا على المبتدأ

فيه أمران:

1 - قال ابن هشام: إنما وجب التقديم هنا لدفع توهم الصفة، واشتراطه هنا يوهم أن له مدخلا في التخصيص، وقد ذكروا المسألة فيما يجب فيه تقديم الخبر، وذاك موضعها.

2 - لو قال قائل: إن مسوغ الابتداء بالنكرة في قوله: هل فتى فيكم؟ وما خل لنا. هو كون الخبر جارا ومجرورا أو ظرفا هل يخطئ في ذلك؟

نفي أو استفهاما أو لولا إذا **** فجاءة

استفسار يا أخي: هل ما يوجب تغاير الإعراب بين كلمتي نفي واستفهام؟

والخامس: أن تكون عاملة

لعلك تقصد: أن تكون عامة. بارك الله فيك.

ـ[كمال أحمد]ــــــــ[25 - صلى الله عليه وسلمug-2010, مساء 01:45]ـ

اعلم ـ يا أخي ـ أن ما فهمه ابنُ عقيل من كلام ابن مالك هو ما فهمه جميع النحويين الذين جاءوا بعده قديما وحديثا

وماذا يا أخي لو اجتمعت كلمة هؤلاء العلماء على شيء ثم جاء عالم كابن هشام من عرف عنه كثرة الاطلاع ودقة الفهم واتقاد الذهن فضبط لنا المسألة وحققها.

ومع ذلك فأنا لا أبرئ نفسي من العجلة حينما نسبت لابن مالك وابن عقيل ما نسبت دون أن أطلع على كتب ابن مالك. "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ".

بارك الله فيك، وجمعنا في مستقر رحمته، والسلام.

ـ[محمود محمد محمود مرسي]ــــــــ[25 - صلى الله عليه وسلمug-2010, مساء 02:42]ـ

الأخ كمال أحمد، السلاك عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فدع عنك كل المسوغات التي ذكرها المتأخرون من النحاة، والتي قد أوصلها بعضهم إلى ما يزيد على الثلاثين ضابطا، ودعنا نتفق على أن الضابط في المسألة هو الإفادة؛ فكل نكرة أفادت أوصلحت للحكم عليها جاز الابتداء بها، وقد كنت نظمت ذلك في نظمي للمبتدأ والخبر وأنا طالب بكلية التربية عام 1982 وكنت مما قلت فيه عند ذكر ما يسوغ الابتداء بالنكرة قلت:

وللنحاة عنده تعديد ***** إلى كثير وهْو لا يفيد

والضابط المقبول أن تفيدا ***** أو يصبح الحكم لها مفيدا

وصاحب المغني رأى الإفادة ***** في عشرة تأتي بلا زيادة

وقد نظمتها لأنها أتت **** جيدةً وبالمراد قد وفت

ومنها قولي في الأمر الخامس حين الكلام على العموم بغيرها:

والثانِ أن تجىء في مقام **** دلَّ على نفي أو استفهام

كقولنا: ما مؤمن في النار **** ومثله هل رجل في الدار؟

ثم قلت في آخر المسألة:

هذا وشكَّ صاحب الكتاب في ***** ثلاثةٍ بالابتدا قالوا تفي

أولها إذا أتت محصورة **** أو بعد فا جزا أتت مذكورة

والثالث التنويع والتفصيل **** وإنني لقوله أميل

قالوا وفاته أمور تعتبر **** فانظر إليها ممعنا فيها النظر

ثم قلت بعد ذكر هذه الأمور:

هذا وإن أعملتَ في تلك النظرْ *****وجدتها داخلةً فيما حصرْ

خلاصة القول: أن الضابط هو الإفادة، ثم ما الفرق يا أخي بين قولنا: هل فتى فيكم؟ وهل فتى قائم؟

وأما عن قولك: هل ما يوجب تغاير الإعراب بين كلمتي نفي واستفهام في قول السيوطي:

نفي أو استفهاما أو لولا إذا **** فجاءة أو فا جزا أو واو ذا؟

فأقول: لاـ يا أخي ـ أنا الذي كتبتها خطأ وصحة البيت:

نفيا أو استفهاما او لولا إذا **** فجاءة أو فا جزا أو واو ذا؟

بتحريك واو أو الأولى إلى الكسر، وبجعل همزة القطع في أو التي قبل لولا همزة وصل للوزن

وأما عن قولك: حينما نقلت عن المغني قوله: والخامس: أن تكون عاملة لعلك تقصد: أن تكون عامة. فنعم يا أخي أن تكون عامة هذا هو قول ابن هشام في الخامس، وإن كان العمل أيضا من ضوابطه في الثاني كما تعلم.

هذا والله الموفق، وتقبل الله مني ومنك الصيام والقيام، والسلام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015